#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
يطفو على وجه المياه السياسيّة في الساحة اللبنانيّة اليوم حلان سياسيّان: الأوّل يقضي بتشكيل حكومة اختصاصيّين تنقذ ما تبقّى من الوضع اليوم، والثاني يقضي بتغيير السلطة السياسيّة برمّتها من خلال عمليّة انتخابات نيابيّة لتغيير هذه الأكثريّة الحاكمة بهدف تغيير السلطة السياسيّة برمّـها. وتحت نير وطأة هذين الحلّين يرزح المواطن ويئنّ جوعًا، ووباءً، ومرضًا، واقتصادًا، وأمنًا، وما من مجيب.
ما من شيء يمنع من أن يكون هنالك حكومة في لبنان إلا ارتباط الملفّ اللبناني بالملفّ الاقليمي. وهذا ما قوّض إرادة قيام الدّولة بحدّها الأدنى. ولا يمكن أن يستمرّ الوضع من دون التكامل بين السلطات في لبنان. لكن أساس الاشكاليّة لا يكمن في أن تكون أو لا تكون الحكومة. بل السؤال الذي يطرح ذاته هنا هو: ما هي فعاليّة أيّ حكومة قد تتشكّل في ظلّ هذا النّهج الحاكم مع هذه الأكثريّة؟
لكنّ بعض من يحمل هذا الطرح يعوّل على الحلّ بالحدّ الأدنى إذ أنّ تشكيل حكومة ما، بغضّ النّظر عن طبيعتها أو شكللها، سيفتح كوّة في الجدار الاقتصادي المسدود، ما قد يريح اللبنانيين، ولو بالحدّ الأدنى. من هنا هذا الحلّ يبقى مؤقّتًا. ولن يفضي إلى أيّ استقرار سياسيّ يفتح المجال لأيّ تقدّم آخر. يبقى تخوّف بعضهم من الفراغ الحكومي لارتباطه بالفراغ الرئاسي الذي قد نقدم عليه في حال استمرّ هذا التّعطيل إلى ما بعد تشرين 2022. وعندها سيصبح البلد كلّه أمام حلّين:
- تديره حكومة مستقيلة سيتمّ تفعيلها حتمًا من قبل المايسترو حزب الله لخدمة تحقيقه مشروعه الخاص.
- نظام رئاسي low profile كما يحدث اليوم إذ يتولّى المجلس الأعلى للدّفاع إدارة أمور الدّولة بالوكالة.
والفذلكات الدّستوريّة لهذين الطّرحين جاهزة في الأروقة، وبعضها خرج إلى العلن. وذلك كلّه سيبقى مرتبطًا بملفّات المنطقة التي تنتظر التسويات الكبرى: من التسوية السوريّة القريبة التي يديرها الرّوسي على حساب إيران وحزب الله، إلى التسوية الايرانيّة – الأميركيّة التي ينتظر حزب الله منها أن يحصل على توكيل أميركيّ بسيطرته على لبنان ووضعه تحت إشرافه.
أمّا الطرح الثاني المتداول، أيّ الانتخابات النيابيّة، فيبدو أقلّ براغماتيّة إذ لا يتماشى مع طرح الرئيس ماكرون الذي رأى في حكومة المهمّة قدرة على فرملة الانهيار. لكن كيف يكون ذلك مع سلطة تتعالى على كلّ شيء وتجتمع اليوم لإقرار سلفة 200 مليون لشركة كهرباء لبنان؟ ومعروف كيف سيتمّ صرف هذه السلفة، فيما الحلول المستدامة لهذا الملف هي أيضًا باتت معروفة من الصغير قبل الكبير.
لكنّ هذا الحلّ على مثاليّـه يبدو الأكثر واقعيّة من حيث المقاربة لآداء هذه الأكثريّة الخاطِفة منذ العام 2008 وحتّى اليوم. فمشاركة هذه السلطة تمّ تجربتها والمعرضة من داخلها لم تحقّق أيّ نتيجة مرجوّة. وشكل الحكومة لم يقدّم أو يؤخّر أيّ شيء؛ والدّليل في ذلك أن لا الاختصاصيين ولا السياسيين من هذه الطبقة استطاعوا إيقاف الانهيار عند حدّ ما. والحلّ لا يكون باستقالة رئيس الجمهوريّة من دون رحيل هذه الأكثريّة التي إن استقال ستعيد انتخاب النّهج نفسه.
من هنا تأتي مقاربة هذا الطّرح المثالي بواقعيّة سياسيّة لأنّه الأكثر ديمومة وقدرة على تحقيق التّغيير المنشود. لكن الانسداد في الأفق السياسي سببه واحد وهو: سيطرة حزب الله بقوّة سلاحه على قرار الدّولة بالحرب والسلمن ما يفرغها من هويّتها تمهيدًا لتغييرها خدمة لمشروعه الايديولوجي. والمواجهة تكون بالصّمود. وكما تمّ فرض واقع المقاومة اللبنانيّة عشيّة ال 1975، هكذا يجب أن يتمّ فرض المقاومة اللبنانيّة من جديد لمشروع تغيير هويّة الوطن. والحلّ الأنسب يكون بالدّفع السياسي للمشروع الذي طرحه البطريرك الراعي ومن البوّابة الأمميّة.
عدا ذلك، سيبقى الأفق مسدودًا بانتظار الخرق الأممي الذي يبدو أنّه بعيد جدًّا لأنّ السياسة الديمقراطيّة الأميركيّة لا تضع منطقة الشرق الأوسط اليوم في سلّم اولويّاتها. فهل يملك اللبنانيّون بعد أيّ مقوّمات للصّمود؟