#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
ندخل في أسبوع جديد من الأزمة التي تتفاقم أكثر فأكثر وتنبئ بالانفجار الكبير. وذلك على وقع تحرّكات في الشارع ما زالت حتّى هذه الساعة غير منظّمة، أو منضبطة، أو محدّدة الأهداف. وهذا ما يسمح للأكثريّة الخاطِفة في الحكم بأن تستثمر فيها سلبًا، ما يشلّ قدرتها على التغيير. فتبقى هذه التحرّكات بمثابة فورة شعبيّة كردّة فعل سرعان ما ستضمحلّ بحسب رهانات أهل الحكم. فهل سيأتي التغيير المرتقب والقريب من بوابة الشارع المنتفض؟ أم أنّ العمليّة الديمقراطيّة السياسيّة ما زالت ممكنة وسط هذه التغيّرات والمستجدّات كلّها؟
لقد شخّص البطريرك اللبناني في عظته أمس الأحد جوهر الأزمة اللبنانيّة التي لا تتمثّل بأزمة في النّظام، بل هي تتجسّد في أزمة انتماء إلى الهويّة الكيانيّة اللبنانيّة. لقد وضع إصبعه على الجرح مرّة جديدة. لكن ما من أحد يسمع. يبقى أنّ البطريرك اللبناني قد فقد الأمل من أن يأتي التغيير المرجوّ من هذه الطبقة السياسيّة الحاكمة، على قاعدة أنّها لن تطهّر نفسها بنفسها لأنّها ستكون قد أقدمت على الانتحار. المطلوب من النّاس اليوم أن تقول كلمة الحقّ لتتحرّر، لأنّه بالحقّ وحده نتحرّر. وجه لبنان الجديد لن يشبه الوجه القديم الذي تمّ تشويهه. فهل سيقوم لبنان الجديد على هويّة كيانيّة لبنانيّة واضحة وواحدة، يتوحّد أبناؤه حول ميثاقه الوطني، ضمن الصيغة الوفاقيّة التي تعلن حياده مع تعاون وتضافر أبنائه جميعهم لحسن إدارته؟
فبكركي تعوّل على النّاس لا على السياسيّين، لكن طالما النّاس لم يستطيعوا حتّى هذه اللحظة أن يتكودروا سياسيًّا فباطل سيبقى حراكهم؛ وسيهدون هذه السلطة فرصة جديدة لتنقضّ على ثورتهم كما فعلوا وفعلت بعد 17 تشرين 2019. ولعلّ سعي السلطة للخرق الحكومي هو تكرار للمرحلة التي تلت الانتفاضة الأولى والتي على أساسها كُلِّف السفير مصطفى أديب. لكن الفارق هذه المرّة أنّ الاسم معروف لكن الخلاف مستشرٍ أكثر فأكثر على خلفيّات غير واضحة. وإلا لمَ هذا التأخير في الإفراج عن التشكيلة الحكوميّة؟
أمّا من النّاحية السياسيّة فلا يبدو أنّ أيّ خرق ممكن حتّى هذه اللحظة، لا سيّما مع تمسّك الرئيس الحريري برؤيته للحلّ من بوابة تشكيل حكومته الانقاذيّة. فيما أهل الحكم يبحثون في كيفيّة تقاسم جلد هذه الحكومة قبل ولادتها. من هنا نفهم دعوة بكركي إلى مؤتمر دولي بعد يقينها بعجز تحقيق الخرق السياسي المرجوّ. لكن يبقى التّدويل الحلّ الوحيد هنا الذي يتفوّق على القدرة السياسيّة التي قد تمتلكها أيّ جبهة معارضة كيانيّة قد تتشكّل. وهذا ما لم يقتنع به بعد الرئيس الحريري؛ فيما يبدو أنّ القوّات اللبنانيّة هي الأكثر قناعة بهذا الحلّ، مع غمز من القناة الاشتراكيّة التي تتريّث دائمًا لتأخذ الموقف المضمون سلفًا. فهل سنشهد هذا الأسبوع مفاجأة سياسيّة تطلّ برأسها من بوابة بيت الوسط؟
الاحتمالات كلّها متاحة، لا سيّما وأنّ هذا الأسبوع قد يشهد حركة مصرفيّة مرتقبة بعد الحديث عن عمليّات دمج باتت وشيكة. كذلك لا شيء يشي بأنّ سعر الدولار سيثبت على هذا الحدّ بل العكس تمامًا، إذ من المتوقّع أن يتابع تصاعده في هذا الأسبوع نتيجة للمزيد من التعنّت السياسي الذي سيطفو على وجه التحرّكات السياسيّة، لا سيّما بعد الرسائل الواضحة التي أتت من العراق من قبل البابا فرنسيس الذي ثبّت المرجعيّة الشيعيّة في العالم بعد زيارته السيستاني في النّجف. فهل يعني ذلك أنّ الفاتيكان أعلن موافقته على ضرب إيران، لا سيّما مع تحليقات طائرة ال b52 في سماء الشرق الأوسط؟
يبدو أنّ هذا الأسبوع سيرفع السخونة الاقليميّة أكثر، وهذا ما سينعكس تعنّتًا في الدّاخل اللبناني أكثر بهدف تحسين الشروط الايرانيّة في الساحة الدّوليّة؛ وهذا ما سيؤدّي مؤكّدًا إلى ارتفاع حدّة التوتّرات الاجتماعيّة التي ستسعى هذه السلطة بميليشياتها المسلّحة إلى إجهاضها بالتظاهر ضدّها، وللمطالب الاجتماعيّة عينها، كي لا تكون قد دفعت بنفسها شارعها لينقلب ضدّها. لكن إلى أيّ حدّ سيصمد بعد الشارع المخطوف من قبل هذه السلطة؟ وهل هو سيبقى في حال من الغيبوبة الاخضاعيّة الخضوعيّة التي تستنزفه كلّ يوم أكثر فأكثر؟
يبقى أنّ التغيير آتٍ لا محالة ومن أيّ باب أتى لكنّه حتمًا آتٍ، ورؤوس مهترئة قد أينعت وحان وقت قطافها.