#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
خراباً أمست البلاد، وساءت أحوال العباد، وقنُطوا من حاكم لا يعرف سوى التعطيل والعناد.
ورغم الفارق الكبير وأنه لا يجوز لحكام لبنان التشبّه بأبي موسى الأشعري الذي ترك ولاية البصرة وفي جيبه ٦٠٠ درهم فقط، لكن رسالة الخليفة عمر بن الخطاب هي ما يصحّ ويحتاجه ضمير أبي موسى لبنان .
كتب عمر:
" أمّا بعد، فإنّ للناسِ نفرةٌ من سلطانِهم، فاحذر أن تُدركَني، وإياك عمياء مجهولة، وضغائن محمولة، وأهواء مُتّبعة ، ودُنيا مُؤثَرة . فأقِم الحدودَ ولو ساعة من النهار . وإذا عُرض لك أمران ، أحدهما لله والآخر للدُنيا ، فآثر نصيبك من الآخرة، فإنّ الدُنيا تنفذ ، والآخرة تبقى .
افتح بابك للرعية، وباشر أمرهم بنفسك، فإنما أنت امرؤٌ منهم، غير أن الله جعلك أثقلهم حملاً.
وقد بلغ أمير المؤمنين أن ظهر لك ولأهل بيتك هيئةٌ في لباسِك ومطعمِك ومركبِك، ليس للمسلمين مثلها.
فإياك يا عبدَ الله أن تكون بمنزلةِ البهيمة التي مرت بوادٍ خصبٍ ، فلم يكن لها همٌ إِلَّا السِّمن ، وإنما حتفها في السمن . واعلم أن للعامل مردّاً إلى الله ، فإذا زاغ زاغت رعيته وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام ".
يتقاذف المسؤولون في لبنان المسؤولية عن الانهيار وسوء الحال، وحتى الحاكم الذي بيده الأمر والحل والربط وفقاً للقانون، يسعى إلى تعطيل القانون والدستور بدل تطبيقه، وبات لا يشعر بوجع الناس وآلامهم، وكل ما يهمّه هو الحصول على وزير هنا وموظف هناك.
اتفق حكام لبنان أن لا يتفقوا ، لا على حكومة ولا على أي دولة يريدون . لا حلول ولا كهرباء في المدى المنظور وقريباً ظلام دامس. وبانتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فهم يقولون : يا أيها المواطنون أسرقوا بعضكم بعضاً ، ويا أيها الموظفون ارتشىوا لتعيشوا ، فلبنان أصبح من دون دولة، وما بقي منها ليس سوى أشلاء جيفة، تتناتشها ضباع الطوائف والمذاهب .
أيها اللبنانيون ! حتى لو قيل لكم غدا ً شكّلنا حكومة اختصاصيين أو غير اختصاصيين.
فلا فرق! لا التهريب سيتوقف، ولا سرقة ما بقي من ودائعكم ستتوقف، ولا العالم سيهب لنجدتكم وإغداق العطايا والهبات لكم ، ولا أزماتكم العديدة ستنتهي وتُحل، فمن لا خير فيه لنفسه لا خير فيه للناس ، وكما تكونوا يُولّى عليكم.
أيها اللبنانيون ! أنتم اخترتم الطائفية والتعصب بدل الوطنية والتآخي. أنتم اخترتم أن تتبعوا الزعيم الأكثر مذهبيةً وتعصباً ، واستعنتم بالخارج لتنتصروا على شركائكم في الوطن ، فمن باع وطنه لا يستحق وطناً.
أنتم عشاق الفوضى، دُستم بأنفسكم على الدستور والقانون، وأفسدتم القضاء والإدارات والأمن وكل شيء ، ورهنتم ذواتكم لمصالح الآخرين ، فبات عليكم تحمّل العواقب وانتظار الحل من العراق الى طهران واليمن وطرابلس ودمشق وفلسطين، فقد يأتي بعدهم دور عاصمتكم بيروت .