#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي " ==خاص==
لقد أثبتت التّجارب في لبنان وعلى مرّ التاريخ، بأنّ بكركي هي الرافعة التي تحمل الوطن متى دفعه بعض أبنائه إلى الحضيض. وطالما بكركي بخير فلبنان كلّه باق بخير. فمن أبرز مسلّمات بقاء لبنان هي بقاء بكركي قلبه النّابض. وهذا ما أثبته البطريرك الراعي في اللقاء الحاشد الذي جمع فيه اللبنانيّين من كلّ حدب وصوب تحت عباءة بكركي الكيانيّة.
لقد فتح باب المواجهة على مصراعيه مع مشروعين:
- الأوّل نرجسي يطمح إلى جعل الدّولة كرسيّ مَلَكي توريثيّ.
- الثاني كيانيّ يهدف إلى تغيير الكيان اللبناني.
ووضع الرّاعي النّقاط على حروف هذين المشروعين مصوّبًا بوصلة الأوّل فجعله وطنيًّا بامتياز يصبّ في بقاء وديمومة الدّولة، والثاني أقفل باب النّقاش فيه لأنّ الكيانيّة اللبنانيّة هي من ثوابت وجوديّة لبنان.
لقد قالها البطريرك الراعي مثبّتًا شعاره الذي أطلقه بالفعل؛ فالشركة والمحبّة لا تكونان بأخذ لبنان حيث لا يريد معظم اللبنانيّين. والشركة والمحبّة لا تكونان بتحويل لبنان إلى شركة مساهمة عائليّة تنقل من جيل إلى جيل. وذلك كلّه، وأبواب بكركي لم تقفل بوجه أحد. بل ظلّ سيّد الصرح يستقبل الوفود من الجهات كلّها، وحتّى تلك الموفدة من قبل فريق العهد، في محاولة منه لشرح مواقفه قبل إطلاقها. لكنْ لم تلقَ بكركي أيّ ردّ استباقي قد يخفّف من حدّة مواقف البطريرك قبل إطلاقها. ما يعني ذلك أنّ العهد وحلفاءه قد قرّروا مواجهة بكركي من لحظة تعنّتهم وتفشيلهم تأليف الحكومة وتعطيل البلد.
لكنّ بكركي كانت تسعى دائمًا لنزع فتيل الخلاف والتّصادم معها. عبثًا سعت حيث كانت كلّ مرّة تواجَه بموقف يزيد الأمور تعقيدًا وتشنّجًا. وما ذهاب البطريرك إلى قضيّة المؤتمر الدّولي إلا بعد استنفاده الحلول المحليّة. فهم أرادوها مواجهة كيانيّة وبكركي لن تقف فيها على الحياد. فهذا هو جوهر المواجهة التي أرادواها مع بكركي حيث وقف سيّد الصرح وقال كلمته ومشى. لا تغيير أو تعديل في وجهة الكيانيّة اللبنانيّة، وتطوير الدّستور لا يعني تغيير النّظام، ولن يتمّ قبل تطبيقه. ولهذه الغايات كلّها لا بدّ من إعلان حياد لبنان النّاشط والايجابي لضمان أمنه وعدم انغماسه في أيّ محور. وقد كان واضحًا في إشارته بالمباشر إلى رفض الاعتداءات الجويّة. فلا يحاولنّ أحد وضع بكركي في إطار حزبي أو فئوي مع أيّ طرف سياسيّ ضدّ طرف سياسيّ آخر.
بكركي تُعنى بلبنان وهي تعني لبنان. وليست بكركي من تحدّثت عن الحياد أوّلا. فليراجعوا أقوال الامام المغيّب موسى الصدر الذي قالها ذات يوم: " إن لم نتمكّن من تحييد لبنان فلن نحرّر شبرًا من فلسطين وسنخسر وطننا ونتحوّل إلى لاجئين." لم يحرّر حزب الله فلسطين والقدس كما يزعم وخسر انتماءه إلى لبنان. لكن لن نسمح بإخراج أيّ مكوّن حضاريّ من الكيانيّة اللبنانيّة لمجرّد حسابات أيديولوجيّة رهانيّة على المحور الايراني، ولأهداف لا تمتّ إلى هويّـتنا الحضاريّة بأيّ صلة. تلك الهويّة التي استطاع الامام الصّدر غرز جبل عامل، استكمالا لما قام به البطريرك حويّك بتمسّكه به، في صلب التّركيبة اللبنانيّة. ونحن متمسّكون بها إلى العظم.
لقد استطاع البطريرك الراعي بصرخته يوم السبت الفائت استعادة إرث البطريرك حويّك والامام الصّدر ليثبت مرّة جديدة بأن لا خلاف مع أيّ مكوّن يريد لبنان. وليضع بكركي في مواجهة مَن لا يريد لبنان حتّى لو كان من أبناء بيته. إنّه بطريرك لبنان المحايد، لبنان الجديد، لبنان الذي يجمع أبناءه كلّهم حول مأدبة السلام. وهذا اللبنان لن يقوم إلا بوجود دولة قادرة قويّة فيه، وهي وحدها التي تضرب منظومة الدّويلة الفطريّة التي قامت على حسابها. لذلك، نجحت بكركي بسحب الغطاء المسيحي من بعبدا للسلاح غير الشرعي وقالت كلمتها. كما أنّها استطاعت اليوم بالذّات أن تثبت كيانيّة الدّولة التي لا مساومة على وجوديّتها.
ولن تنفع أي التفافة على مواقف بكركي بتنفيسة حكوميّة هجينة من هنا، أو بزيارة خجولة إلى الصرح من هناك. المطلوب واحد ولا تراجع عنه: مؤتمر دوليّ، وإعلان حياد لبنان، وتطبيق الدّستور، وإعادة إنتاج لهذه السلطة السياسيّة الفاسدة الحاكمة بأمر السلاح غير الشرعي. ولا يعتقدنّ أحد أنّ أيّ استغلال لأيّ حدث دوليّ-إقليميّ قد يثني بكركي عن مواقفها، أو قد يسمح بمجرّد تعديل طفيف في وجهتها التي رسمتها في ذلك السبت الأبيض. ومَنْ يَعِشْ ... يَرَ.