#الثائر
- " اكرم كمال سريوي " ===خاص==خاص===
لا يتوقف الخلاف في لبنان على تفسير الدستور، فكلٌ يقرأ على هواه. ومنذ الخلاف على تفسير المواد المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية مدة سنتين، حتى تم فرض انتخاب العماد ميشال عون، إلى الخلاف المُختلق على تفسير المادة ٩٥ ومفهوم الغاء التمثيل الطائفي في الوظائف العامة، حط النكد رحاله مؤخراً في موضوع المفاوضات لابرام المعاهدات، ومسألة تشكيل الحكومة، ومعنى كلمة «بالاتفاق» . فقدمت دوائر القصر تفسيرين متناقضين لهذه الكلمة. وربما بات دستورنا يستوجب حضور سيبويه إلى لبنان، لنتفق على معنى الاتفاق الذي ما زال في صيغة الغائب المجهول.
قال الشاعر أحمد شوقي يوماً:
«شاعرُ البَلاطِ وما بالقليلِ ذا اللقبَ»
وكم من شاعر بلاط لدينا في لبنان !!!!!
ربما هذا ما يشعر به حقاً المستشار النجيب، طويل القامة، عريض المنكبين، قوي الشكيمة، مفتول العضلات. فتراه يُطالعنا كُلّ يومٍ بقصيدةٍ فقهيةٍ، يجوبُ بها طول الدستور وعرضه، مستبيحاً حديقة القوانين، كحطّابٍ امتهن الخطابة، فيجزُّ جذوعها، ويقلب عاليها سافلها، ويُمطر المعترضين بحجارة من مقالع الفرزدق، ويُقدّم لأصحابه هدايا إهرست العظيم.
لا يفوّتُ شاعرُ البَلاطِ فرصةً لتملّقِ سيدَه أو بالأصح ساداتِه الذين أوكلوا إليه مهمة (لحى) فنصّب نفسه جريراً بأجرٍ رفيع. أمّا لحى هذا ورفاقه فما أكثرهم في بلادنا.
تنص المادة ٥٢ من الدستور على : «یتولى رئیس الجمهوریة المفاوضة في عقد المعاهدات الدولیة وا ٕبرامها بالاتفاق مع رئیس الحكومة».
وجاء في البند الرابع من المادة ٥٣ من الدستور حول صلاحيات رئيس الجمهورية ما يلي:
«یصدر بالاتفاق مع رئیس مجلس الوزراء مرسوم تشكیل الحكومة ومراسیم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم».
فما هو معنى كلمة «بالاتفاق» الوارد في المادتين 52 و 53 من الدستور ؟.
وتعليقاً على هذا الأمر نشر استاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام اسماعيل مقالاً أوضح فيه أهمية أعتماد مبدأ واحد لتفسير القواعد الدستورية.
لقد ورد في بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في 2020/10/13 الآتي:
« إن التفاوض لعقد المعاهدات الدولية يتولاه رئيس الجمهورية منفرداً، ولو كان قصد المشرّع إشراك رئيس مجلس الوزراء في التفاوض لعقد المعاهدة، لكان الدستور نص صراحة على أن يتولّى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التفاوض، بدلاً من أن يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة.
ولو كانت المشاركة واجبة في المفاوضة لما كان من داعٍ للنص على «وجوب الاتفاق» بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، باعتبار ان كليهما توليا المفاوضة..
ولذا فإن رئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة المختصة بتولي المفاوضة حتى عقد وإبرام المعاهدة . وبعد ذلك يجب عليه الاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، قبل الانتقال الى مجلس الوزراء ، ومن ثم الى مجلس النواب في الحالات المحددة للموافقة».
أما كلمة «بالاتفاق» الواردة في المادة ٥٣ من الدستور ، وفقاً لتفسير دوائر القصر ، فتعني أن «رئيس الجمهورية هو شريك كامل في تشكيل الحكومة ».
وحيث أنه لا يجوز للكلمة الواحدة أن تحمل في طياتها معنيين؛ فإذا نقلنا هذا التفسير، إلى معنى الاتفاق في تشكيل الحكومة:
فالاتفاق الذي نصت عليه المادة 53 من الدستور ( وقياساً على تفسير المادة 52، المعتمد من قبل دوائر القصر الجمهوري) ، يجب أن يحصل ليس خلال فترة التفاوض مع الكتل النيابية لتشكيل الحكومة، بل في «لحظة إصدار مرسوم التشكيل». لأن النص واضح: «يُصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة، ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم».
وكما أن التفسير الذي خلصت إليه دوائر القصر الجمهوري، قد انتهى إلى القول: بأن: «الاتفاق يتم عند ابرام المعاهدة»، وليس في مرحلة التفاوض. فإنه ومن باب القياس والتفسير الموحد لمعنى كلمة «بالاتفاق» الواردة في المادتي ٥٢ و ٥٣ ، يُفترض أن يتمّ الاتفاق على تشكيل الحكومة، في مرحلة إصدار المراسيم، وليس في المرحلة السابقة لها.
واعتماداً على القياس ذاته أيضاً في التفسير يصبح من الضروري القول :
طالما أن دوائر القصر الجمهوري قد فسّرت الفقرة الأولى من المادة 52 كما ورد في بيانها : (بأنه لو كان القصد إشراك رئيس مجلس الوزراء مع رئيس الجمهورية في عملية التفاوض لعقد المعاهدة، لكان الدستور نص صراحة على ان يتولى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التفاوض ، بدلا من النص على : «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة» ).
فإذا اعتمدنا هذا التفسير واستخدمناه في تفسير المادة 64 من الدستور، التي تنصّ على أن: «يُجري رئيس الحكومة الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها». فإنه – وتطبيقاً للتفسير الرئاسي ـ يكون تفسير هذه المادة كالآتي:
لو كان القصد اشراك رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس الوزراء في تشكيل الحكومة، لكانت المادة 64 من الدستور، قد نصّت صراحة على أن : «يجري رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقعا مرسوم تشكيلها».
هي كلمة واحدة في الدستور، يفترض أن يكون لها معنى واحد أينما وردت، إعمالاً لقاعدة جوهرية في التفسير ، بحيث أنه يقتضي المواءمة في تفسير النصوص القانونية، وأن لا يُعطى لها معانٍ متناقضة.
انتظر اللبنانيون سنتين حتى تم الاتفاق على تفسير الدستور والميثاق الوطني، وتم انتخاب رئيس للجمهورية. فكم سننتظر الآن حتى يتم الاتفاق، على معنى كلمة «بالاتفاق» ، وتشكيل حكومة لإنقاذ الوطن ؟