#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
ختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أسبوعًا ترك فيه السياسيّين يتخبّطون في قضيّة طرحه المؤتمر الدّولي لإنقاذ لبنان. وعاد أمس ليؤكّد على ثوابت بكركي في تمسّكها ب" الوطن النموذج" كما أسماه. وذكّر غبطته بتاريخ تأسيس هذا الوطن وعبّر عن مدى تمسّك بكركي بلبنان وعدم السماح بسقوطه " أمام الظلاميّةِ أو يَستسلمُ أمامَ المشاريع العابرة المشرق والمخالفة جوهر الوجود اللبناني." وفي قراءة بسيطة للحلول التي طرحتها بكركي هي تفضيلها " للحلول الحضاريّة والسياسية والدبلوماسية، لا للحلول العسكريّة".
وتزامنت مواقف بكركي مع المواقف التي أطلقها الرئيس الحريري في الذكرى ال16 لاغتيال والده. ويبدو أنّه حاول غسل يديه وتبرئة نفسه من التعطيل الذي يعيشه البلد بأكمله. مع الاشارات الواضحة التي أرسلها في حقيقة مَن يقف وراء تعطيل البلد بأكمله. فأشار بوضوح إلى تعطيل ملفّ التشكيلات القضائيّة هو الذي يمنع آليّة المحاسبة التي وحدها تضبط النظام في أيّ بلد من بلدان العالم.
في عمليّة حسابيّة بسيطة نستنتج بأنّ عمر سنوات التّعطيل بلغ أكثر بكثير من عمر سنوات العمل منذ أن استلم فريق هذه السلطة الحكم. أو على الأقلّ منذ الفترة التي بدأ فيها صراعه لإجهاض ثورة 14 آذار. ونجح عمليًّا هذا الفريق باعتماده بدعة التعطيل التي أدّت إلى الانفجار الاجتماعي في 17 تشرين. ومن الواضح أنّ ثورة النّاس في 17 تشرين قد قامت على دوافع اقتصاديّة. وها هو اليوم الفريق السياسي نفسه يمارس البدعة نفسها لإسقاط هذه الحركة الثورويّة. وما سينتج سيكون أكبر بكثير من 17 تشرين. فهذا ما ستجنيه أيديهم.
وسط هذا الواقع المبكي، البلد لا حكومة فيه، والنّاس تئنّ من فقدان الأدوية وبعض مستلزمات العيش البسيطة. من هنا، أتت صرخة البطريرك ليعلن أنّنا بحاجة إلى " حكومة الضمير" لتستطيع إنقاذ ما تبقّى. وليس الموجود كثيرًا. من هذا المنطلق جاء الطرح البطريركي لمؤتمر دولي وبكلّ جدّيّة. لا مساومة على الدّستور، ولا على الكيان، ولا على الدّولة. وبكركي لمن يعرف أن يقرأ، لم تستثنِ أيّ طريقة من طرق الدّفاع عن الوطن الذي بنته. إمّا يستجيب اللبنانيّون لما تطالب به بكركي وإمّا البلد سينهار ولن تسمح بذلك. ومَن يهدّد بقوّة سلاحه فالكلّ جاهز للمواجهة. ولا يعتقدنَّ أحدٌ أنّ التسلّح هو عائق، لكن العائق الوحيد هو إرادة الدّولة القويّة.
على ما يبدو أنّ حكومة الضمير لن تكون بإنتاج محلّي. فالسلطة الحاليّة باستمرارها بالتّعطيل لن تسمح بالتّشكيل إلا وفقًا لشروطها. ويبدو أنّ الرئيس الحريري لن يرضخ. والمساعي التي تقودها بعض الجهات السياديّة لتشكيل جبهة معارضة لم تصل بعد إلى أيّ نتيجة؛ بغضّ النّظر عن التّصريحات التي بدأت تعلو استجابة لهذا المطلب. فالترجمة العمليّة ما زالت غير ناضجة. ويبدو أن الطرف المتحكّم بقوّة سلاحه، أي حزب الله، لن يسلّم ورقة لبنان إلا بعدما يقبض هو الثمن الموعود نتيجة للمفاوضات المرتقبة. وهذا ما لن يتحقّق لأنّه إن حصل فبكركي وضعت خارطة الطّريق بالأولويّة للحلول الدّيبلوماسيّة وعلى مَن يحسِن القراءة أن يقرأ.
الصورة باتت واضحة. الصراع الذي يخرج إلى العلن حول الصلاحيّات مردّه إلى القدرة على التّعطيل من غير بوّابة السلاح غير الشرعي. والهدف هو نفسه. تغيير الهويّة اللبنانيّة. بغضّ النّظر عن إظهار الرّئيس الحريري تمسّكًا بالتّكليف، يبدو أنّ هذا التمسّك لن يطول. وإن طال يعني ذلك أنْ لا حكومة حتّى انتهاء العهد. فعلى اللبنانيّين أن يقدِموا على التحرّك استجابة لصرخة بكركي بالدّعم محليًّا ودوليًّا عبر الانتشار اللبناني للوصول إلى برّ الأمان بأسرع وقت ممكن وبأقلّ ضرر ممكن.