#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي " == خاص ===
بدت لافتة عظة البطريرك الراعي أمس الأحد بعد الأحداث الدمويّة التي دنّست حرّية الرأي والتعبير في لبنان، على أثر اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم . والملاحظ في مواقف بكركي، هو هذا التصعيد التدريجي الذي تتّبعه في مقاربة الملفّ السياسي وطنيًّا وكيانيًّا. واللافت أكثر في هذا السياق، هي الآذان الصمّاء التي تقابل فيها هذه الأكثريّة الحاكمة صرخة بكركي والصرخات الكيانيّة كلّها. فهل ستستطيع بكركي تحويل الأزمة اللبنانيّة إلى قضيّة دوليّة تنتزع بوساطتها الوطن الذي لطالما أرادته لأبنائه كلّهم؟
حتّى في هذه العظة بدأ غبطة البطريرك بتذكير النّاس، والمجتمع الدّولي، وأهل هذه السلطة، بأنّه لم يتجاوز أحد في لبنان، وهو الضنين على المقامات السياسيّة كلّها بدون استثناء. لكن هذه الأكثريّة أفشلت حلّ حكومة المهمّة الوطنيّة كبداية لردم الهوّة على مستويين:
- مستوى استراتيجي إقليمي لضمان ورقة لبنان بالنّسبة إلىى إيران بعدما بدأت تلمس الجمهوريّة الاسلاميّة الثبات في مواقف السياسة الأميركيّة الخارجيّة في مقاربة ملفّ التفاوض معها.
- مستوى محاصصاتي ثقتي. فحفلة المطالبة بالثلث المعطّل مسرحيّة سمجة تحت عنوان حقوق المسيحيين يُظهِرُ فيها حزب الله تيّار الوزير باسيل في هذا الموقع سقطت إلى غير رجعة.
من هذا المنطلق، يبدو أنّنا سنشهد تصلّبًا تعطيليًّا أكثر شمولا في لبنان بانت بشائره في اغتيال الناشط لقمان سليم، قد يتجلّى في تمييع التحقيقات كعادة هذه الأكثريّة التي ما زالت تبحث عن سيناريو "سبيلبرغي" في قضية الرابع من آب، ولم تجده حتّى الآن، ولن تتمكّن من إيجاده أبدًا. فهي تخلّت عن خياراتها الوطنيّة وبالتّالي فقدت شرعيّتها الشعبيّة منذ 17 تشرين، ولن تتمكنّ من استعادتها أبدًا، لا ترغيبًا ولا ترهيبًا.
من هنا، بدا البطريرك مقتنعًا أكثر من جديد، بضرورة السير بالحلّ وفق القاعدة التي وضعتها حركة 17 تشرين. لكنّ بكركي ضنينة على العمل المؤسّساتي، ولن تتخلّى أبدًا عن دعمها للمؤسّسات، ولمَن اتّخذ على عاتقه العمل تحت قبّتها. لقد باتت بكركي اليوم أكثر قناعة بأنّ الشعب سينتفض، ويثور، ويحاسب مدفوعًا بسلبيّة هذه الأكثريّة. ولكن ماذا سيكون موقف بكركي في حال جنوح التعاطي الأمني القمعي مع الثوار؟ فهي على ما يبدو أبدت تفهّمها، لكن على الثوّار قراءة هذا الموقف قراءة حضاريّة وإيجابيّة، وعدم استغلال هذا التفهّم البطريركي لوجعهم. كلّ حركة ثورويّة تجنح نحو العنف والتعدّي على الممتلكات العامّة تفقد هالتها الثورويّة؛ وبالتّالي تقدّم للسلطة التي تثور ضدّها مبرّرًا لقمعها.
من هذا المنطلق، ما استجدّ اليوم توجّه البطريرك بشكل مباشر إلى المجتمع الدّولي من خلال طرحه لضرورة إجراء مؤتمر دولي على مستويات ثلاثة:
- تثبيت الدّستور اللبناني.
- وحدة الكيان.
- نظام الحياد.
وما طرح الرّاعي هذه المبادرة إلا لأنّه راعٍ صالح، و"لحرصه على كلّ لبنانيّ وعلى لبنان كلّه، وللحفاظ على الشراكة الوطنيّة والعيش المشترك المسيحيّ والإسلاميّ في ظلّ نظام ديمقراطيّ مدنيّ." فالدّستور والكيان والحياد، هو مثلّث وجود لبنان الجديد، لبنان الذي أطلقه الرّاعي في الذكرى المئويّة الأولى للبنان الكبير. وقرع ناقوس الخطر وأعلن انطلاق المقاومة الكيانيّة السلميّة السياسيّة بقوله: " لن نقبل الأمر الواقع لأنّنا أهل الشرعيّة والدستور، ولا التواطؤ لأنّنا أهل موقف وطنيّ. وسنسير في هذا الموقف الوطنيّ حتى إنقاذ لبنان”. والمسيرة اليوم بدت واضحة المعالم.
بكركي قالت كلمتها ولن تمشي. وإذا لم يتمكّن المسؤولون المدنيّون من تولّي زمام الأمور السياسيّة في لبنان فلن تقبل بكركي بالقدر لأنّها هي سليلة تاريخ أبناء الإرادة. وهي التي تعرف تقرير مصير شعبها. والأهمّ بكركي هي من أهل البناء لا الهدم. ومن له أذنان للسماع فليسمع.