#الثائر
إنها قصة مدهشة من قلب لبنان وجديرة بأن تتعرفوا عليها
بقلم دلال جنبلاط
لنتعرف على أكبر خاطف للأطفال في العالم، من شوارع بيروت عام ١٩٢٢:
ذات يوم فُقد كُل الأطفال من ساحة الشهداء، وساحة البرج، وشارع المصارف، ودرج خان البيض، ومحيط السينما؛ البروكسي، وأمبير، والأوبرا.
وتم اختطاف كل الاطفال من بائعي العلكه، واليانصيب، وماسحي الأحذية، وبائعي الورد، وأكياس الورق، من الحفاة والشحاذين والمتسولين الفقراء .
دبّ الذعر والهلع في نفوس أهاليهم، وبدأت الإتصالات والتبليغات عن فقدانهم تتوالى في الإعلام وإلى مراكز الشرطة.
واذ تبين لاحقاً أن خاطف الأطفال هذا ، هو رشيد بيضون الذي أصبح لاحقاً نائباً ثم وزيراً للدفاع الوطني، وقد أخذ ٤٠٠ طفلاً من شوارع العاصمة . إشترى لهم الثياب، والأحذية، وكل ما يلزم، ووضعهم في المدرسة العاملية في رأس النبع، التي أسسها لإستقبالهم وتعليمهم جميعاً، على نفقته الخاصة .
وأتصل بأهلهم وقال لهم : انا أتكفل بتعليمهم جميعاً، وأدفع مصاريف عيشهم، من أكل وملبس وصحة، وكل يوم سبت، سأدفع مساعدات للأهل تعادل ما كان يجنونه هؤلاء الأطفال من عملهم.
وبعد مدة تخرّج غالبيتهم من المدرسة العاملية بشهادة الباكالوريا. وأرسل الوزير بيضون قسماً كبيراً منهم إلى ؛ ألمانيا، وفرنسا، و عدة دول أخرى في أوربا، لمتابعة دراساتهم الجامعية وعلى نفقته الخاصة أيضاً .
بعد هذه الحادثة بعام واحد فقط قام بيضون بتأسيس الكلية العاملية عام 1923وهي أول صرح علمي في بيروت ضم طلاباً من مختلف الطوائف، ثم تلاها افتتاح 44 مدرسة في الجنوب والبقاع وجبل لبنان.
كان بيضون رجلاً متواضعاً ومثقفاً ووطنياً بامتياز ويطمح إلى نشر العلم والمعرفة، في مواجهة الإقطاع الذي كان يُشكّل النسبة الأكبر من أركان السلطة اللبنانية آنذاك، والتي اعترضت على ممارساته.
وكان خاطف الأطفال هذا الذي لم يرزق أطفالاً من ذريته، أفضل أب لعدد كبير من أولاد الفقراء والأطفال المشردين، وقد حقق أول إنجاز تربوي علماني غير طائفي في لبنان.
ما لا تعرفه عن رشيد يوسف بيضون، الوزير، والنائب، والمثقف، خاطف الأطفال، أنه أنشأ مع عدد من أبناء بيروت والجنوب الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية (نسبة إلى جبل عامل أي الجنوب) للإهتمام بالفقراء.
ثم أنشأ الكلية العاملية لتوفير فرص تعليم للفقراء والمحتاجين.
وما زالت هذه الكلية قائمة حتى اليوم، ولقد قال عنها يومها : «إن الغاية التي من أجلها أنشئت الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية، هي نشر الثقافة في الربوع اللبنانية، ومحاربة الجهل، من أجل تكوين جيل جديد يتفهم معنى الحياة ومعنى الحرية. وما الكلية العاملية وفروعها سوى الأداة لتحقيق هذه الأهداف، والمساهمة في بناء مجتمع صالح، يعمل لخير الأمة العربية والوطن اللبناني".
بعد نشاطه في المجال التربوي، دخل رشيد بيضون معترك السياسة، كنائب عن بيروت في عام 1937، وبعدها لعدة دورات نيابية انتخابية. كما شغل عدة مناصب وزارية منها؛ وزيراً للعدل، ووزيراً للبريد والبرق والهاتف، ووزيراً للدفاع.
إن المؤسف أن التاريخ العربي لا يؤرخ إلا تاريخ البلطجية والسفاحين ، واللصوص، والفاسدين، ويرفع من شأنهم ويحفظ أسماءهم ...لكن العظماء الحقيقين لا يُذكرون وتُطمس أسماؤهم .