مقالات وأراء

أوكتافيو باث ومتاهة العزلة

2020 كانون الأول 25
مقالات وأراء

#الثائر

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

وُلِدَ الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث ( 1914_ 1998) في إحدى ضواحي مدينة مكسيكو العاصمة لأبٍ مكسيكي وأُم من جنوب إسبانيا. كان والده محامِيًّا وسياسِيًّا مُؤيِّدًا لثورة زاباتا التي اندلعت عام 1910 ، ولكنه كان مدمنًا على الخمر، ولقي حتفه في حادث قطار . أمَّا أُمُّه فكانت منذ طفولته تَحُثُّه على الدراسة ، وفيما بعد على كتابة الشِّعر ، وتُشجِّعه على تحقيق طموحاته الأدبية رغم أنها كانت أُمِّية .

حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1990، لِيَكون بذلك أوَّل شاعر وأديب مكسيكي يفوز بهذه الجائزة. عُرِفَ بمعارضته الشديدة للفاشية ، وعمل دبلوماسيًّا لبلاده في عِدَّة دُوَل . تَشَعَّبَ نشاطه في عدة مجالات . وبالإضافة إلى كَوْنه شاعرًا ، فقد كتب أيضًا العديد من الدراسات النقدية والتاريخية والمقالات السياسية .

نشر باث أوَّل أشعاره وهو في السابعة عشرة مِن عُمره ، ثُمَّ التقى بالشاعر التشيلي بابلو نيرودا ، وتأثَّرَ بِشِعْره . وفي عام 1936، شَجَّعه نيرودا على زيارة إسبانيا لحضور مؤتمر الأدباء بمدينة فالنسيا ، وكانت الحرب الأهلية الإسبانية على أشُدِّها في ذلك الوقت .

التحقَ باث بالسِّلك الدبلوماسي عام 1945، وعمل به لمدة ثلاثة وعشرين عامًا . وَعُيِّنَ سفيرًا لبلاده في كل من فرنسا وسويسرا والهند واليابان ، وكانت له صلات وثيقة بأقطاب الحياة الثقافية في كل البلدان التي عمل بها . وقد استقالَ مِنَ السِّلك الدبلوماسي عام 1968، احتجاجًا على سياسة حكومته تجاه الطلبة ، عندما قامت السُّلطات في المكسيك باستخدام العنف في قمع مُظاهَرات الطلبة ، مِمَّا أدَّى إلى مصرع حوالي ثلاثمائة طالب . ومُنذ ذلك الوقت تَفَرَّغَ باث للعمل في الصحافة . شَمِلَت كتاباتُه الشِّعرَ والفن والدِّين والتاريخ والسياسة والنقد الأدبي. ونُشِرَت له خمسة دواوين شِعرية ، صدر أوَّلُها عام 1949، وآخِرها عام 1987.

يُعتبَر كتابه " متاهة العزلة " ( 1961) مِن أهم أعماله على الإطلاق ، وقد أشادت به الأكاديمية السويدية عندما منحته جائزة نوبل . وحاولَ فيه باث أن يَتحرَّى عن شخصية الإنسان المكسيكي ، ويسبر أغوارها . وهذا الكتاب عبارة عن بحث في التاريخ الروحي للمكسيك ، في طُقوسه وعاداته الموروثة ، مِن أيام الأزتيك ( سُكان المكسيك القُدامى ) . وهي أيضًا نظرة تأمُّل مُتعمِّقة في الأوضاع التي أثَّرت في تحديد طبيعة المكسيكيين وتاريخهم .

وذكرت الأكاديمية السويدية أن أوكتافيو باث فاز بجائزة نوبل ، لا لعمل مُعيَّن من أعماله الأدبية ، ولكن تكريمًا لمجمل كتاباته الشِّعرية والنثرية المتَّقدة بالعاطفة ، والتي تتَّسم بآفاق ثقافية واسعة ، وتتميَّز بذكاء وطاقة إنسانية وقَّادة .

تركت رحلاته الكثيرة في العالَم آثارًا واضحة في حياته وأعماله،وفي الأدب الأمريكي اللاتيني. وفي عام 1944، حدث في حياته تحوُّل كبير كان له تأثير واضح في تكوينه الثقافي والفَنِّي . فقد تَلَقَّى منحة دراسية لمدة سنتين في الولايات المتحدة ، حيث تَعَمَّق في دراسة الشِّعر الإنجليزي ، وبدأ شِعره يكتسب خصائص مُميَّزة، مُستفيدًا من تقاليد الشِّعر الإنجليزي ، فكتبَ قصائد طويلة ، وأدخلَ القصة في القصيدة مُستخدمًا لغة المحادَثة، وهو ما ظهر واضحًا في مجموعته الشِّعرية " الحرية بضمانة الكلمة " ( 1949) .

أمَّا إقامته في فرنسا ( 1946_ 1951) فأدخلته في خضم المغامرة السريالية ، وهي الحركة الشِّعرية التي أحس بأكبر تآلف روحي وجمالي معها. فالسريالية عند باث هي نشاط حيوي يستند إلى أفكار التمرد والحب والحرية . وهذه السريالية تمرد شامل يهدف إلى تحطيم قيم الحضارة الغربية، واستعادة الحالة الطبيعية للكائن البشري. وتقترن السريالية لدى باث بالميثولوجيا الأزتيكية القديمة . ولَمَّا ذهب إلى اليابان عام 1952، اكتشفَ الهايكو ، وهي قصائد الشِّعر الياباني التقليدية . وتتميَّز باقتضابها اللفظي ، وهيمنة الصورة والمفاجأة الأخيرة ، فحاكاها بمجموعة من المقطوعات ، جمعها في كتاب " بذور من أجل نشيد " ( 1954) .

ولكنَّ إقامته في الهند سفيرًا لبلاده ( 1962_ 1968) كانت أشدَّ حَسْمًا في التأثير على شخصيته ورؤيته للعالَم . فقد كان يتَّفق مع الفكر الشرقي مُمَثَّلاً بالبوذية التي تتغلغل في شِعره في السِّتينيات . ولا سِيَّما في " أبيض " ( 1967) . وفي " السفح الشرقي " ( 1971) .

وصارَ باث محط اهتمام النقد المتخصِّص ، مُنذ صدور"القَوس والقيثارة" ( 1956)، و" حجر الشمس " ( 1957) . وأبحاثُه النقدية الكثيرة لا تقل أهميةً عن أعماله الشِّعرية ، فقد أوردَ فِيها تأملاته حول الظاهرة الشِّعرية ، وطبيعة القصيدة ومُكوِّناتها ( اللغة والإيقاع والصورة ) ، ومكانتها في التاريخ ، ووظيفتها في عصرنا . وقد تُرْجِمَت أعماله الشعرية والنقدية ومقالاته السياسية التي بلغ عددها أكثر من ثلاثين كتابًا إلى لغات كثيرة كالعربية والفرنسية والإنجليزية والروسية . وَمِن هذه الترجمات تعرَّف الكثيرون على ما تركه أحد عمالقة الأدب العالمي المعاصرين .

اخترنا لكم
عودةٌ إلى الوراءِ!
المزيد
هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟
المزيد
خوفًا من الصراع... شركات طيران تعلّق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
المزيد
"شُحنَت في صيف 2022".. شركة "البايجر" وهمية؟
المزيد
اخر الاخبار
"خطواتٌ جديدة" على الحدود!
المزيد
بزشكيان: ندعو إلى وحدة المسلمين لوقف المجازر الإسرائيلية
المزيد
تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة اللاسلكي
المزيد
الحزب ينعى مؤسّس قوة الرضوان ابراهيم عقيل وهيئة أركانها
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
كورونا لبنان... 3463 إصابة جديدة و61 حالة وفاة
المزيد
معركة طاحنة على الحقائب والثورة تتحضر
المزيد
الأبيض يتلقى لقاح كورونا: الافعال اهم من الاقوال (فيديو)
المزيد
ما قصة الزيت والعسل على طاولة أسماء الأسد؟
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
اتفاقية تعاون بين جمعيّتي "غدي" و"الملكية الاردنية لحماية الطبيعة" الناصر: حماية الطبيعة لا تعرف حدود، فهي مثل الطائر الذي يطير وينتقل من مكان إلى آخر غانم: نؤمن أن التعاون هو أرقى أشكال التطور
بيان للدفاع المدني بعد الانتهاء من عمليات إطفاء مطمر برج حمود
شكوى بجرائم بيئية ضد الدولة اللبنانية امام مجلس حقوق الانسان الدولي
محمية أرز الشوف في المنتدى الإقليمي للحفاظ على الطبيعة لدول غرب آسيا، هاني: نعمل مع شركائنا لزيادة المناطق المحمية
لجنة البيئة تواكب حريق المكب وتدعو لإقفال المطامر الشبيهة.. وياسين يعتذر
فياض: تنظيف مجاري الأنهر بمزايدات لتفادي الفيضانات وحماية البنى التحتية