#الثائر
- " أكرم كمال سريوي "
وفقاً لتقريرِ مصرفِ لبنانَ، لقد كان حجمُ السيولةِ بالليرةِ اللبنانيةِ في 3 حزيران 2010 في السوقِ، 3,253 مليار، وارتفعَ في حزيران 2015 إلى 5,343 مليار، وتضاعفَت القيمةُ ووصلَت في حزيران 2019 إلى 10,736 مليار، أما في 4 حزيران 2020 فبلغت 24,999 مليار ليرة، أي أنه وفقاً لسعرِ الصرفِ الرسمي للدولار، كانت السيولةُ تعادلُ ملياري و168 مليون دولار عام 2010 ، وارتفعَت إلى أكثرَ من سبعةِ مليارات عام 2019 ، ثم أصبحت بحدودِ 16 مليار دولار عام 2020.
وبعمليةٍ حسابيةٍ بسيطةٍ نجدُ أن سعرَ الدولار لو تمَّ تحريرُه، كان سيرتفعُ منذ عام 2010 حتى عام 2019 من 1500ليرة إلى 5,250 ليرة، أمّا عام 2020 فقيمتُه ستتجاوزُ 11000 ليرة . لكن الأرقامَ هذه ليست صحيحةً بالكاملِ، لأنَّ هُناكَ عدةَ عواملٍ غيرَ حجمِ السيولةِ النقديةِ ، تؤثّرُ في سعرِ صرفِ الدولار.
ومِنَ الوضحِ طبعاً حجمُ التضخّمِ الذي أحدثتهُ السياسةُ الماليةُ والنقديةُ هذا العام، وحاولَ حاكمُ المصرفِ المركزي امتصاصَ السيولةِ من السوقِ، لِلجمِ تدهورِ سعرِ صرفِ العملةِ الوطنية، وتخفيفِ الطلبِ على الدولارِ، فاصطدمَ بعقبتين:
الأولى: اعتراضُ بعضِ المؤسساتِ على إجراءاتِه، خاصةً المستشفياتِ، وتجارِ المحروقاتِ، وحتى البنوكِ، وكلُّ ذلِك في غيابِ قُدرةِ الدولةِ على تطبيقِ القوانين، وضعفِ سلطةِ حكومةِ حسان دياب ، التي فشلَت في وضعِ خطةٍ حقيقيةٍ للإنقاذِ، ولم تتمكن حتى من قوننةِ الفلتانِ المالي وبلطجةِ البنوكِ، وتحقيقِ الكابيتال كونترول الموعود.
امّا العقبةُ الثانيةُ: فتمثّلَت بنظامِ النقدِ والتسليفِ اللبناني، الذي يسمحُ بالتعاملِ بعدّةِ عُملاتٍ بين التجار. فكافةُ الدولِ التي واجهتْ مشاكلَ نقديةَ مثلَ؛ روسيا، وأوكرانيا، وسورية، ومصر، وتركية، تفرضُ التداولَ في داخِلها بالعملةِ الوطنيةِ فقط. كما تحصِرُ عملياتِ تبديلِ العملاتِ لدى الصيارفةِ، بالدولارِ واليورو . لكن هذا الشيء غيرُ مطبّقٍ في لبنانَ، ولذا كان له نتيجتانِ سيئتان:
١- مُنذُ بدايةِ الأزمةِ عمَدَ اللبنانيون إلى تحويلِ معظمِ المبالغِ الموجودةِ لديهِم إلى دولار، فازدادَ الطلبُ عليهِ بشكلٍ كبيرٍ، وأختفى من الأسواقِ، وتُقدَّرُ الموجوداتُ في البيوتِ، بأكثرَ من خمسةِ ملياراتِ دولار. وهذا طبعاً رفعَ سعرَ صرفِ الدولارِ، وخلقَ سوقاً سوداء كبيرة جداً.
٢- يُوجدُ قيودٌ صارمةٌ على السوريين في تبديلِ الليرة السورية بالدولارِ داخلَ سوريا. لذا يعمدُ قسمٌ كبيرٌ منهم إلى المجيءِ إلى لبنانَ، وتبديلِ ما لديهِم من ليراتٍ سوريةٍ بالدولارِ وأخذِه والاحتفاظِ بِه في سوريا. وهذا يعني أن المصرفَ المركزيَ في لبنانَ، بات عليهِ مواجهةُ فائضِ السيولةِ بالليرةِ السوريةِ أيضاً، إضافةً إلى السيولةِ بالليرةِ اللبنانيةِ، فزادَ حجمُ العجزِ والقدرةِ لديهِ على التدخلِ في السوقِ لضبطِ سعرِ الصرف.
ومن أهمِّ العواملِ التي تؤثِّرُ على سعر ِالصرفِ أيضاً هي قوةُ الأقتصادِ، وتحديداً مصادرُ إدخالِ الدولارِ إلى لبنانَ، والتي ترتكِزُ أولاً إلى حجمِ الصادراتِ، وثانياً إلى التدفقاتِ المالية وأهمُها؛ الإستثماراتُ الخارجيةُ، والودائعُ، أموالُ المغتربينَ، والسياحةُ، وتجارةُ الترنزيت، والمساعداتُ الدولية.
أمّا ما يستنزفُ احتياطَ الخزينةِ من العملةِ الصعبةِ فهو ؛ حجمُ الاستيرادِ، إضافةً إلى هُروبِ الودائعِ ورؤوسِ الأموالِ، وأجورِ العمالِ الأجانبِ، وخدمةِ الدَينِ، والديونِ المستحقةِ بالعملةِ الصعبةِ، والأنواعِ المختلفةِ لإنفاقِ المواطنينَ الذينَ يسافرونَ إلى الخارجِ. ويبقى العاملُ الأهمُ طبعاً وهو عملياتُ تسرّبِ الدولارِ إلى الدولِ التي فُرِضت عليها عُقُوباتٍ، مِثلَ إيرانَ وسوريا، ولقد بات تهريبُ السلعِ المدعومةِ، يُشكِّلُ الخطرَ الأكبرَ، ويُهددُ باستنزافِ آخرِ الدولاراتِ لدى البنكِ المركزي.
أمّا الحقائقُ الأُخرى لِتدهورِ الاقتصادِ وسعرِ العملةِ الوطنيةِ فهي عديدةٌ وأهمُّها:
١- تضخُّمُ حجمِ الإنفاقِ على القطاعِ العام، بشكلٍ لا يتناسبُ مع الواقعِ الاقتصادي اللبناني. فمِن سلسلةِ الرتبِ والرواتبِ التي تم تقديرُها بشكلٍ خاطئ، إلى التوظيفِ العشوائي والهدرِ والفسادِ في إداراتِ الدولةِ وغيرِ ذلك.
٢- إستهلاكُ القروضِ والمساعداتِ الدوليةِ في مشاريعَ غيرَ منتجةٍ، واستسهالُ سياسةِ الإستدانةِ، حتى باتت خدمةُ الدينِ العام ورواتبُ القطاعِ العام تفوقُ 70% من حجمِ الموازنةِ السنوية.
٣- عدمُ تنفيذِ الإصلاحاتِ، والنزفُ المستمرُ في كافةِ مرافقِ الدولةِ، خاصةً قطاعُ الكهرباءِ، الذي كلّفَ ما يقاربُ نصفَ الدينِ العام.
٤- القرارُ الدوليُّ بمعاقبةِ لبنانَ، حيثُ تم وقفُ منحِ أموالِ مؤتمرِ سيدر، ثمَّ تمَّ الضغطُ على الإماراتِ العربيةِ فأوقفَت مساعدةَ الخمسةِ ملياراتِ دولارٍ التي كانت ستُقدِّمُها للبنانَ .
٥- عندما طرحَت حكومةُ الحريري أثناءَ إعدادِ موازنةِ 2020 خفضَ الرواتبِ بنسبةٍ بسيطةٍ، قُوبِلَ الأمرُ بشبهِ انتفاضةٍ شعبيةٍ، ليتبيّنَ للمسؤولينَ لاحقاً، أنَّ الطريقةَ الوحيدةَ للتخلصِ من عبءِ سلسلةِ الرُتبِ والرواتبِ، هي بخفضِ قيمةِ العُملةِ الوطنيةِ، وقد مرَّ هذا الأمرُ بشكلٍ سلسٍ، وبِردّاتِ فعلٍ تكادُ لا تُذكر، ولن تعودَ رواتبُ الموظفينَ إلى سابقِ عهدِها قبلَ مرورِ عدّةِ سنوات.
٦- السياساتُ الماليةُ الخاطئةُ لحاكمِ مصرفِ لبنانَ، بدءاً من الإصرارِ على تثبيتِ سعرِ صرفِ الليرةِ، إلى الهندساتِ الماليةِ، وتوزيعِ الهباتِ، والهدرِ في عدةِ أشكالٍ واتجاهات.
٧- هروبُ الأموالِ إلى الخارجِ، وخاصةً بعد ١٧ تشرين 2019. حيثُ تُشيرُ بعضُ المصادرِ، إلى خروجِ أكثرَ من 9 مليار دولار لمتمولينَ كبار، ومسؤولينَ سياسيينَ نافذينَ في البلد.
ورُبَّما مِن أهمِّ أسبابِ الأزمةِ الماليةِ التي يعاني منها لبنانُ اليومَ، هو الخلافُ السياسيُ، خاصةً بين فريقي رئيسِ الجمهوريةِ والداعمينَ لهُ مِن جهة، وحاكمِ المصرفِ المركزي والجهاتِ التي تسانِدُهُ مِن جهةٍ أُخرى. وكلّما استعرَ الخِلافُ بينهُما، زادَ تدهورُ سعرِ العُملةِ الوطنيةِ. ولقد فشِلَ رئيسُ حكومةِ تصريفِ الأعمالِ حسان دياب، مع رئيسِ الجمهوريةِ، بإزاحةِ رياض سلامة عن منصبهِ.
وسنكتفي الآنَ بهذا القدرِ، وسأكشِفُ لكُم في المرةِ القادمةِ، أسرارَ وخفايا سياسةِ دعمِ بعضِ السلعِ التي تفوقُ 500 مليون دولار شهرياً، تذهبُ بِمُعظمِها إلى جيوبِ التجارِ والمهرّبين. وهي تعادلُ مبلغَ 750 مليار ليرة وفقاً لسعرِ 1500 ليرة للدولار، أو 2,450 مليار ليرة وفقاً لسعر 4900 ليرة ، وأكثرَ من 4000 آلاف مليار ليرة وفقاً لسعرِ الصرفِ في السوقِ السوداء، أي ما يكفي لإعطاءِ 4 ملايين عائلةٍ لبنايةٍ، مبلغاً وقدره مليون ليرة شهرياً.
فهل يُمكنُ أن تتخيّلوا هذا الرقم؟ وحجمَ الخداعِ أو الجهلِ لدى بعضِ المسؤولين؟ وكيف تسرِقُ السلطةُ السياسيةُ الأموالَ العامةَ وتبتزُ الشعب ؟؟؟.
إلى اللقاء في الحلقةِ المقبلة.