#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
انتهى هذا الأسبوع على وقع الاعلان عن زيارتين سيقوم بهما الرئيس الحريري لبعبدا ولعين التينة اليوم الاثنين، في ظلّ اعتبار بعبدا موقف الحريري متقدّم من حيث القبول بترؤس حكومة وفق شروط المبادرة الفرنسيّة؛ مع حماسة فرنسيّة لافتة لعودته إلى الحكومة، بعد تبدّل واضح في الظروف الدّوليّة، على وقع البدء بالمفاوضات المرتقبة يوم الأربعاء المقبل في 14 تشرين الأوّل بين لبنان وإسرائيل، في مقرّ قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" في الناقورة على الجانب اللبناني من الحدود، وذلك بوساطة السفير الأميركي في الجزائر، جون ديروشر. وجاء هذا الاعلان بين البلدين الخميس الماضي، من حيث "التوصل لتفاهمات حول بدء مفاوضات برعاية الأمم المتحدة بشأن حدودهما البرية والبحرية المتنازع عليها، في ما وصفته واشنطن بأنه إنجاز "تاريخي" بين الدولتين اللتين تعدّان في حالة حرب".
وفي هذا السياق بدا الحريري كذلك المنقذ من الضلال حيث ربط عودته بشرط إعلان سائر الأطراف قولا وفعلا، التزامهم بما تمّ الاتّفاق عليه في قصر الصنوبر. لكأنّ الحريري يسعى بأن يكون رجل السلام، رجل المرحلة المقبلة. فهو لن يفوّت هذه الفرصة ويهديها إلى غريمه في السلطة التشريعيّة، حتّى لو كان الثنائي مجتمعًا، وليس فقط الرّئيس برّي. من هنا، سارع الحريري إلى تلقّف هذا المومنتوم الدّولي المستجدّ الذي أطلقه الرئيس برّي بالتنسيق الكلّي مع حليفه الاستراتيجي حزب الله، لتسجيل خرق دولي في جدار الأزمة اللبنانيّة مقدّمًا بذلك ورقة رابحة سلفًا لإيران في مفاوضاتها المرتقبة مع الولايات المتحدة الأميركيّة لتحسين شروطها في التفاوض.
فيما لم تلتقِ حسابات الحريري مع الفريق المسيحي الذي تحالف معه في السيادة على مفهومها الجديد من بوّابة التفاوض مع العدوّ، حيث بدا موقف القوّات لافتًا بضرورة أن تكون هكذا مفاوضات بيد الدّولة ومؤسساتها الرسميّة وليس من منطلقات ومصالح فرديّة أو حزبيّة. ويبقى أنّ موقف القوّات الصلب من حيث شكل الحكومة لم يتبدّل؛ فالمطلوب هو حكومة أخصائيّين مستقلين غير سياسيّين لا ستعادة الثقة وفق مندرجات ثلاث: وطنيّة وعربيّة ودوليّة. وعدا ذلك لن يكتب لأي حكومة النجاح بغضّ النّظر عن الاسم المطروح.
أمّا في موضوع مهادنة حزب الله فيبدو أنّ الحريري عاد إلى سياساته السابقة التي اختلف مع القوّات عليها. فيبدو أنّه سيستغلّ لحظة التنازل الاقليمي التي يخضع لها حزب الله ليهادنه؛ إنّما هذه المرّة بشروطه. قد يقبل الحريري بوزير ماليّة شيعي لكنّه حتمًا لن يكون محسوبًا على الثنائي. فيما أنّ القوّات باقٍ على موقفه من عدم مهادنة حزب الله؛ والموضوع الحكومي هو مبدئي لا تنازل فيه. فبنهاية المطاف استقالة القوّات من حكومة الحريري السياسيّة في 19 تشرين الأوّل 2019 بعد الثورة مباشرة لن يتمّ هدرها رضوخًا لتسوية ما، يتمّ اجتراحها. ووجود أيّ حزب من الأحزاب التي كانت قبل 17 تشرين في أيّ حكومة مقبلة هو إعادة إنتاج لسلطة ثبُتَ فشلها.
فبنهاية المطاف باتت مسألة النّظام الجديد في الشرق الأوسط ولبنان على قاب قوسين؛ وكلّ فريق سيسعى ليحتفظ لنفسه بحصّة الأسد. وسيتحوّل الحريري من دون علمه أو به، إلى وسيط لبناني بين طرفي النّزاع الجديدين في لبنان على وقع المفاوضات التي ستمتمدّ خلال هذه المرحلة القادمة؛ أي بين الفريق المسيحي السيادي بأطيافه وأحزابه كلّها وبين الثنائي الشيعي وحزب الله منه بالتّحديد. بذلك يكون الحريري إن عاد، قد دخل كبيدق لحزب الله مستغلا الدّفع الفرنسي ومتجاهلا الدّفع الذي حققته ثورة 17 تشرين على وقع الاحتفال بسنويّتها الأولى، ومعاديًا الأغلبيّتين المسيحيّة والدرزيّة، وناسفًا بذلك اتّفاق الطائف، ومهيّئًا لتسوية جديدة على حساب تنازل جديد للدويلة التي تقدّم بدورها تنازلات خدمة لوليّها الاقليمي فيعوّمها من جديد. فهل ستستطيع الجبهة السياديّة السياسيّة والشعبيّة أن تستعيد زمام المبادرة لتشكّل حكومة المهمّة الحقيقيّة المطلوبة للمرحلة الراهنة؟