مقالات وأراء

الإثراء غير المشروع ...هل أصبح بالإمكان استعادة الأموال؟

2020 أيلول 30
مقالات وأراء

#الثائر

- " اكرم كمال سريوي "

«قراءة قانونية»

أقر مجلس النواب في جلسته أمس مشروع تعديل قانون الإثراء غير المشروع الرقم ١٥٤ تاريخ ١٩٩٩/٢/١٨ وتوالت التهاني بالإنجاز الهام الذي حققه نواب الأمة، وكأن اللبنانيين فعلاً سيبدأون غداً بمحاكمة أولائك الفاسدين الذين سرقوا المال العام وأثروا على حساب الشعب، وغداً ستستعاد الأموال المنهوبة وتتعافى خزينة الدولة اللبنانية.

مسرحية مضحكة مثّل فيها نواب يجهلون الدستور والقوانين اللبنانية، وحتى بعضهم على خصام مع اللغة العربية ايضاً.

وللإيضاح لا بد من التذكير بما جرى في الجلسة، وبالنصوص القانونية التي يجهلها أو تجاهلها النواب في جلسة الأمس.

القاعدة الاولى في تطبيق القانون هي: أن الدستور هو أعلى من القانون العادي وأي قانون يتعارض مع الدستور يمكن الطعن بعدم دستوريته، ويتوجب إبطاله، وبالتالي لا قيمة قانونية له.

تنصّ المادة 70 من الدستور اللبناني على أنّ «لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى، أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس.» ومع هذا النص يصبح من شبه المستحيل محاكمة أي وزير، عن أي خطأ أو خلل يقوم به، أو أي واجب يُهمل القيام به، خلال فترة قيامه بوظيفته.

أما المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء فاستُحدث بعد اتفاق الطائف، وفقاً لما نصت عليه المادة ٨٠ من الدستور المعدل عام ١٩٩٠.

كانت دائماً الإشكالية في تفسير الأعمال التي تُشكّل خللاً بالواجبات الوظيفية للوزير، ولقد تمت محاكمة الوزير السابق شاهي برصوميان لبيعه مشتقات نفطية أمام القضاء العادي، باعتبار هذا الجرم من نوع الجرائم العادية، التي يحاكم عليها الوزراء أمام القضاء العادي وليس أمام المجلس الأعلى، لكن مجلس النواب عاد واستعاد القضية، ليتبين لاحقاً أن تلك كانت محاكمة سياسية للوزير.

وفي النقاشات التي دارت أمس في جلسة مجلس النواب، اعترض نواب كتلة المستقبل على ذكر كلمة «رئيس الوزراء والوزراء» في القانون وقدم النائب هادي حبيش مطالعة باسمهم، وطالبوا شطب هذه العبارة، فكان لهم ما أرادو.

واعتبر النائب ابراهيم كنعان ان لا قيمة لشطب هذه العبارة، لأن تعريف الموظف كما ورد في القانون، بات يشمل كافة الموظفين في الدولة من رئيس الجمهورية وحتى أخر موظف.

بالعودة إلى نظام الموظفين في لبنان الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم ١١٢ تاريخ ١٩٥٩/٦/١٢ نجد تعريف الموظف بشكل مفصل في المادة الأولى منه، والتي تشمل الموظفين الدائمين والمؤقتين والأجراء، ونصت المادة ١٤ على واجبات الموظف التي ورد فيها: (يتوجب على الموظف بشكل عام أن يستوحي في عمله المصلحة العامة دون سواها، ويسهر على تطبيق القوانين والأنظمة النافذة، دون أي تجاوز أو مخالفة أو إهمال).

أما المادة ١٥ فقد عددت المحظورات على الموظفين، ومنها أنه يمنع عليه أن يلتمس أو يقبل بسبب الوظيفة التي يشغلها، أية هدايا أو إكراميات أو منحاً من أي نوع كانت.

ويتبين من النص أن جرم الإثراء غير المشروع يشكّل أخلالاً بالواجبات الوظيفية ويستدعي محاكمة الوزير أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أما في التعديل الجديد الوارد في المادة ١١ اصبح الإثراء غير المشروع جرماً عادياً،؟ حيث جاء النص صريحاً:

(يعد جرم الإثراء غير المشروع خارجاً عن مفهوم الإخلال بالواجبات وخاضعاً لاختصاص القضاء العدلي.)

اما الخطوة الثانية المهمة في القانون فهي ما جاء في المادة ١٢، التي جعلت الإخبارات المقدمة إلى هيئة مكافحة الفساد أو تلك المقدمة من الهيئة مجانية. لكن أبقى القانون على الكفالة المالية الواجب تقديمها من قبل المتضرر المدعي، وتم تخفيضها من ٢٥مليون ليرة إلى ٣ملايين ليرة فقط، تُصادر لمصلحة الخزينة في حال تم رد الدعوى بشكل قطعي، واعتبار المدعي متعسفاً في استعمال الحق، وإلا فتعاد إليه.

الإصلاح الثالث والمهم في القانون، هو ما ورد في المادة ١٣ حول إلغاء مرور الزمن على جريمة الإثراء غير المشروع.

(لا يخضع جرم الإثراء غير المشروع لمرور الزمن على الدعوى العامة وعلى الدعوى المدنية لمصادرة المال العام واسترداده.)

لكن القانون لم يخلُ من الثغرات، فإذا رد النائب العام الدعوى مثلاً لأي سبب كان، سيخسر المدعي الكفالة المصرفية.

اما الثغرة الثانية فهي في نص المادة ٨ التي أبقت على سرية التصاريح عن الأموال والثروة، التي يجب أن يقدمه الموظف. مما يعني سيبقى من الصعوبة بمكان معرفة ارتكاب الموظف لجرم الإثراء غير المشروع، ولقد لجأت دول عديدة إلى جعل هذه التصاريح علنية.

ويوجد إشكالية ثالثة في نص المادة ١٠ التي عرفت الإثراء غير المشروع:

(يعتبر إثراءً غير مشروعٍ كل زيادة كبيرة تحصل في لبنان والخارج، بعد تولي الوظيفة العمومية، على الذمة المالية لأي موظف عمومي). فما هو المقصود بكلمتي «زيادة كبيرة»؟ وما هو حجم الأموال التي يجب أن يأخذها الموظف دون وجه حق، حتى يعتبر عمله إثراءً غير مشروع؟

في المحصلة لقد شكّل إقرار القانون خطوة جيدة من الناحية القانونية، ويمكن القول نعم أنه أصبح بالأمكان محاكمة الرؤساء والوزراء عن جرم الإثراء غير المشروع أمام القضاء العادي، ولا حاجة للمجلس العدلي في هذا الجرم، ولا قيمة لشطب عبارة «رئيس الوزراء والوزراء» من النص، لكن تبقى ملاحقة النواب تحتاج إلى رفع الحصانة عن النائب، من قبل مجلس النواب،

أما من الناحية العملية، فكانت لافتة كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري، رداً على مطالبة النائب هادي حبيش بشطب عبارة (رئيس الوزراء والوزراء) من القانون، عندما قال (بقلكن في طائفية تمنع التقدم والإصلاح).

فهذه هي الحقيقة المرة في لبنان، فالمشكلة ليست في النصوص القانونية. وقانون الإثراء غير المشروع موجود في لبنان منذ أن تقدم به كمال جنبلاط وأعضاء الجبهة الاشتراكية، وأقره المجلس النيابي يومها، وصدر بالمرسوم الاشتراعي رقم ٣٨ تاريخ ١٩٥٣/٢/١٨. لكن هذا القانون لم يتم تطبيقه سوى مرتين، وبطريقة انتقامية وانتقائية، كمحاكمة سياسية ليس أكثر وهذا يعني أننا قد لا نشهد تطبيقاً للقانون الجديد، ما دام لبنان محكوماً بهذا النظام الطائفي، ومن قبل نفس هذه الطبقة السياسية، التي لن تُقدم على محاكمة نفسها. فمن سيحاكم من فيها يا ترى؟ ولن يحدث ذلك إِلَّا في حال قرر الجميع الانتقام من أحد الضعفاء، ومحاكمتة سياسياً.

اخترنا لكم
باسيل: نحن مع وقف النار ولسنا حلفاء حزب الله في بناء الدولة لكننا معه في مواجهة إسرائيل
المزيد
ذكرى الاستقلالِ وبورصةُ القرارِ 1701!
المزيد
جنبلاط: الوضع سيستمر بالتدهور بسبب الموقف الغربي.. وإيران من يتولّى المسؤولية في الحزب
المزيد
المرتضى: الاساءات الى طائفة الموحدين الدروز مستهجنة تخدم العدو ومرتكبها حسابه عسير
المزيد
اخر الاخبار
لافروف: روسيا لم ترفض التفاوض مع أوكرانيا
المزيد
لبنان طبق رئيس على مأدبة غداء اقامتها رئيسة حكومة فكتوريا الاسترالية على شرف بو عاصي
المزيد
أيوب: الاقتصاد سينزلق نحو الهاوية
المزيد
"جريمة حرب".. "هيومن رايتس ووتش" تتهم إسرائيل بالتهجير الجماعي لسكان غزة
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
قائد الجيش الإسرائيلي: يمكن البدء بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم تدريجيا
المزيد
البزري: عجز حقيقي في تأمين متطلبات الإيواء والخطر يتجلّى بإنتشار الأمراض الإنتقالية
المزيد
فاكهة سحرية تساعدك على النوم أسرع من الأقراص المنومة
المزيد
دريان: الخميس أول أيام شهر رمضان
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
دراسة تنسف المعتقد الشائع بشأن "ردع أسماك القرش"
أكبر حيوانات الأرض مهددة بالانقراض!
تقرير: مستوى قياسي لانبعاثات الكربون العالمية في 2024
سماء الأرض تستعد لاستقبال آخر قمر عملاق لعام 2024 برفقة "الشقيقات السبع"
أستراليا تدرس حظر استخدام وسائل التواصل للأطفال دون 16 عاما
اكتشاف الثقب الأسود "الأكثر شراهة" على الإطلاق