#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
كثرت الزيارات المتبادلة على قاعدة " ردّات الإجر" ولكنّها حتى هذه الساعة لم تترك أيّ أثر سوى المزيد والمزيد من الاحباط للنّاس المترقبة بارقة أمل، ولو من المكان الخطأ. لكن لشدّة بؤسها قد تقبل بها وتتقبّلأها فيما أتت من أهل السلطة الحاكمة، وتحديدًا من دويتّو الحكم: حزب الله والعونيّة السياسيّة. فهل ستستطيع هذه السلطة المتهالكة استصدار بريقًا من الأمل لتروي ظمأ النّاس بعد كارثة الرابع من آب؟
يتخيّل إلى المتابعين للوضع السياسي الراهن أنّ الزمن قد قفز فوق تاريخ الرابع من آب، وكأنّ هذا اليوم لم يوجد أساسًا في روزنامة الحياة. وتتابع هذه السلطة في غيّها ولو على حساب قهر النّاس وبؤسهم وظلمهم. ولو سقطت حكومة هذه السلطة بضربة إرهابها القاضية، فهي تحاول اليوم استنساخ مثيلتها، وما زالت في طور البحث عن شخصيّة انتحاريّة انتهازيّة كتلك التي قبلت إدارة محاصصاتهم مقابل فتات بسيط لحسابها الخاص.
وتوحي الأجواء إلى الآن بأنّ حظوظ الرئيس الحريري باتت شبه معدومة، على الأقلّ إلى حينه، لا سيّما بعدما أشيع عن إلغاء لزيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة في الأوّل من أيلول، فضلا عن رفض حلفائه الاستراتيجيين بأن يعود الحريري رئيس حكومة بصفة مدير للأزمة ليس أكثر. فالخلاف ليس على اسم الحريري على قدر ما هو على قدرته في تطبيق الاصلاحات المنشودة وإيصال التّحقيق الدّولي إلى مرفأ بيروت، واستعادة الحياة الآمنة لأولئك البيروتيّين الصميمين الذين فقدوها نتيجة لإرهاب فساد هذه السلطة.
والمفارقة في ذلك أنّه بعد مرور عشرين يومًا ويوم وما زالت هذه السلطة قابعة في مكانها، لم نشهد ولا أيّ استقالة من السلطة الاجرائيّة التي تتحمّل مسؤوليّة ما حدث مع كلّ من تواطأ معها. مليارات ومليارات من الأموال المنهوبة ولم نشهد حتى هذه الساعة ولا أيّ استدعاء لمجرّد الاستفهام. بالله عليكم، ماذا يسمّى ذلك غير العهر السياسي؟ وما زالوا يتبجّحون في مراكزهم ومحاصصاتهم ولا يرفّ لهم أيّ جفن بعد إعلان عدم ثقة المجتمع الدّولي بهم، حيث منح مساعداته للجمعيّات الأهليّة ولم يسلّم أيّ جهة حكوميّة أيّ مساعدة.
والملفت في السياق الذي أشرنا إليه، كثرة العمليّات القيصريّة لاستيلاد الجمعيّات الوهميّة للسطو على المساعدات الدّوليّة المقدّمة للناس المنكوبين فيأخذونها لمن حرموهم حقوقهم وأسموهم بالمحرومين. وفوق ذلك كلّه، لا يأبهون بالتّحذيرات الدّوليّة ولا بالتصنيفات الائتمانيّة، ولا حتى يأخذون بعين الاعتبار الأسماء التي اقترحت عليهم لقيادة حكومة المهمّة المستحيلة. ويصرّون على حكومة " خود وهات" حكومة على أشلاء ودماء الضحايا الذين رفعوهم إلى مرتبة الشهداء عسى أن يرحمهم الرّبّ الإله في يوم الدينونة يوم يقفون أمامه خائبين. يا لهذه الوقاحة التي لم يشهد لها التاريخ أيّ مثال!
المطلوب اليوم واضح، لكنّ هذه السلطة مستمرّة في مسيرتها، ولو لإنتاج حكومة أشلاء ودماء ودمار. وهي ماضية في مواجهة المجتمع الدّولي بانتظار لحظات التسويات الإقليميّة الكبرى علّها تستطيع انتزاع تعهّدات تلتزم بها لتعبيد طرق السلام القادم. نعم هي متواطئة دوليًّا إن ثبُت ذلك، وخائبة وطنيًّا وذلك قد ثَبُتَ. أعان الله لبنان عليهم، وكان الربّ بعون النّاس المتألّمين، عسى أن يقودهم أملهم إلى ثورة قيميّة كيانيّة حقيقيّة تنتج لبنان الجديد.