#الثائر

د. ميشال الشمّاعي

يبدو أنّ هذا الأسبوع سيكون داهمًا صحيًّا، حيث بات انتشار كورونا في مرحلة متقدّمة جدًّا على وقع الفلتان المتمادي من قبل عامّة النّاس، فضلا عن تردّد السلطة السياسيّة في اتّخاذ القرارات الحازمة، حيث لا بدّ من إقفال البلد مجدّدًا للحدّ من عمليّة الانتشار اللولبي لفيروس كوفيد 19؛ فما بين الاقتصاد والوباء تقف الدّولة عاجزة متردّدة، فهل ستقدر هذه السلطة السياسيّة التي لم تستطع تحييد نفسها في معركة الوباء أن تنجح في تحييد نفسها في أزمة الاقتصاد؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ التدابير الصارمة هي المطلوبة في هذه المرحلة برغم أنّنا قد دخلنا في مرحلة الخطرين: الاقتصادي والوبائي. في الاقتصاد لقد نُعيت المفاوضات مع صندوق النّقد الدّولي والسلطة السياسيّة تفتّش كيف ستستغلّ الحالة الوبائيّة لتهرب من الأزمة الاقتصاديّة. فالخيار الوحيد يكمن في المضي قدمًا بتنفيذ الاصلاحات المعروفة. ولا ينفع أيّ هروب ولفّ ودوران حول الاصلاحات التي شكّلت مادّة دسمة في عظة البطريرك الراعي. وهذا ما استهجنه لودريان وأصدقاء لبنان كلّهم.

لقد حدّد غبطة البطريرك في عظته ضرورة " إجراء الاصلاحات بدءًا بالكهرباء والمكافحة القضائيَّة للفساد المتفشّي الذي يتزايد اليوم من دون أيّ وخز ضمير أو خوف كجريمة فساد الموادّ الغذائيَّة القاتلة للمواطنين." فالهمّ الاقتصادي هو أولويّة من أولويّات بكركي، وما زال سيّد بكركي مصرًّا على إنهاض البلد إقتصاديًّا من بوّابة الاصلاحات المعروفة. حتّى الفرنسيين طالبوا من اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم ليتمكّنوا من مساعدتهم، بحسب ما جاء على لسان وزير الخارجيّة الفرنسي في زيارته إلى لبنان في الأسبوع المنصرم، لكن بين إنقاذ الاقتصاد المتداعي والحفاظ على صحّة النّاس اختارت الحكومة احتراف الرّقص على شفير الهاوية مع الكورونا حتّى بتنا في نهاية المرحلة الرابعة من تفشي الفيرس، حيث دقّ النظام الصحّي ناقوس الخطر قبل الانهيار المفجع.

أمام هذه الوقائع المفجعة، يبقى الأمل موجودًا في الحلّ الذي طرحته بكركي والذي يؤمّن ديمومة استمرار الدّولة والكيان. فالحياد الفاعل والنّاشط يحرّر الشرعيّة داخل لبنان، فتتمكّن حينها من اتّخاذ قرارات تلائم الحالة الوبائيّة كإقفال المطار من دون أن تراعي متطلّبات من يأسرها بسبب استقدامه لدولارات أفريقيا وغيرها. فحزب الله المسيطر على الحكومة يمنعها حتّى من اتّخاذ الاجراءات الصحيّة الملائمة، منذ لحظة اكتشاف فيروس كورونا في الطائرات الوافدة من إيران وحتّى اليوم. لذلك نتفهّم رفضه لمبدأ الحياد الذي يحرّر الدّولة من سيطرته. فحتى محاربة الكورونا تتطلّب الحياد.

من هنا، الحياد هو طوق نجاة للبنان أمام طرفين وحيدين رافضين لهذا الطرح هما: حزب الله وإسرائيل، لأنّ فلسفة وجودهما قائمة على الصراعات المستمرّة إلى ما لا نهاية. وما التهديدات المتبادلة من الطرفين إلا دليلا إضافيًّا على حقيقتيهما. ومن البديهي أنّ هذا لا يعني إطلاقًا التخلّي عن القضيّة الفلسطينيّة والدّخول في عمليّة سلام. لقد كان واضحًا سيّد الصرح بأن وصفة الحياد “الناشط والفاعل” هي التزام لبنان بالقضايا العامَّة: من سلام وعدالة وحقوق إنسان، وحوار أديان وحضارات، ودور وساطة في النزاعات الاقليميّة والدوليَّة، ولاسيّما ما يختصّ بوحدة الدول العربيَّة، والقضيَّة الفلسطينيَّة، وصدّ الممارسة العدائيَّة من إسرائيل تجاه أهل فلسطين وأرضهم وحقوقهم وتجاه لبنان وأي بلد آخر."

ما قد يشهده الأسبوع القادم سيكون قاسيًا اقتصاديًّا ووبائيًّا ونأمل ألا تنسحب هذه القساوة على المجال الأمني ترجمة للتحليقات المتكرّرة من قبل العدو الاسرائيلي وللتهديدات المتصاعدة التي وصلت من طهران إلى الجولان فجنوب لبنان حتى ما بعد بعد حيفا. على ما يبدو أنّ هذه السلطة السياسيّة لن تكون على حياد أبدًا. اللّهم أعِن لبنان على سلطته السياسيّة الحاكمة، على أن نلمح بارقة أمل من مكان ما.