#الثائر
- ظــــــافر مـــــراد - خاص
في السياسة والحرب
يتعلم القادة في المجالين السياسي والعسكري، من دروس التاريخ الباهظة الثمن، هذه الدروس المتمثلة بالمعارك والحروب الدامية والمدمرة، أو بالمواقف السياسية غير المدروسة والتي تسببت بتداعيات خطيرة ومهلكة للمجتمعات، ويفترض بهؤلاء القادة قراءة هذا التاريخ بطريقة شاملة تحيط بأدق التفاصيل، ومتابعة الأحداث ومحاولة تحليلها وفهمها من منظور المصلحة العليا للدولة، وليس من خلال المصلحة الشخصية، المناطقية أو الطائفية.
يترتب على هؤلاء القادة، أن يكونوا على قدرٍ وافٍ من المعرفة والعلم والثقافة، أقله في مجال عملهم ومسرح قرارهم، وأن يفهموا بعمق العلاقة بين السياسة والحرب، وكيفية إستعمال أدوات القوة الوطنية لتحقيق مصلحة الدولة العليا، أو أقله تقويض مصالح الخصوم، ويجب أن يدركوا تماماً المفهوم الجديد للنصر وكيفية الوصول الى الأهداف النهائية، في زمن تراجعت فيه فعالية التدخل العسكري المباشر، حيث أن إحتلال الارض لم يعد مجدياً بقدر فعالية السيطرة على العقول، وتوجيهها الى مسارات عنفية قمعية، تقوض الأمن والإستقرار في مجتمع الخصم.
المفهوم الحقيقي للنصر:
تأخذ عبارة "النصر" أو الإنتصار، مدلولات معنوية أكثر منها مادية، لقد جعلوا هذه العبارة ذات بعد وجداني وعاطفي، مرتبط مباشرة بالتضحيات والبطولات وإرادة الصمود، وإبعدوها نوعاً ما عن المكتسبات المادية، (أي في وجهها الآخر الإقتصادية) لكي تكون راقية ومثالية، وهذا المفهوم يطبق عادة في الدول التي يغلب على طريقة حياتها وثقافتها الطابع الأيديولوجي، فيصبح النصر حاجة معنوية جماهيرية مرتبطة بالعديد من المكونات الخاصة بهذه الجماهير، مثل الدين، التاريخ، طريقة الحياة، النظام الإجتماعي، النظام السياسي، التحالفات الدولية أو التبعية...أما في الدول المتقدمة والمتحررة من الايديولوجيا، فالنصر يكون بتحقيق الأمن والحرية والرفاهية للشعب، أي المصلحة المادية والمكتسبات الملموسة، ومن هنا نرى أن لكل شعب وبيئة "نصرها الخاص" المرتبط بمدى الوعي والإدراك لمفهوم النصر الحقيقي.
يَعمَد الكثيرون من القادة بهدف تحقيق إستمرارية السيطرة على الجماهير والتمسك بالسلطة، الى خداع هذه الجماهير من خلال منظومتهم الإعلامية التي تروج لإنتصارات وهمية، وتقذف بعشرات الشعارات والمفاهيم المغلوطة لخلق حالة وجدانية ترضى عواطف ونزوات جماهيرهم، وعادة ما يتم التسويق لهذا النوع من النصر بشكل فوري بعد المواجهة مع العدو، كي لا يتسنى لهذه الجاهير أن تستوعب الحدث وتُدرك مدى الخسارات التي ستنالها حاضراً ومستقبلاً.
أن تأكيد الإنتصار على المستوى الوطني لا يتم بزمن قصير، بل ربما يستغرق سنوات، فلطالما تحقق النصر العسكري ولكن رافقته هزيمة سياسية أو إقتصادية، وبالرغم من أهمية الإنتصار المعنوى وتأكيد القدرة على الصمود، إلا أن حرية ورفاهية الشعب وأمنه هي أعلى مصلحة في إستراتيجيات الدول الحريصة على شعوبها والتي تحترم الإنسان، وكل تهديد وخسارة في هذا المجال، مهما قابله من إنتصارات في مجالات أخرى، تعتبر هزيمة نكراء مغلفة بعناوين خادعة.