#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
عندما تشتدُّ الأزمات ويستبد القلق، يكثُر المنجمون والمشعوذون، ويُصدّق الناس كل ما يُقال لهم. وهكذا كانت إطلالة ليلى عبد اللطيف عبر شاشة تلفزيون الجديد، بسيلٍ من التوقعات التي لا تستند إلى أية أُسس علمية أو واقعية، ولا تعدو كونها تلفيقات تُحاكي خوف وهواجس الناس، فبثت الرعب في قلوب المساكين الضعفاء الذين ضاقت بهم سُبل العيش، فراحوا يتهافتون على شراء كل ما وقعت عليه أيديهم، فيما يعمد التجار إلى رفع الأسعار كل يوم أو يقفلون محالهم بانتظار أن يزيد سعر صرف الدولار كما يروّج المنجمون، فتصبح الأرباح مضاعفة .
رغم أننا نعلم جميعاً أن هذه البرامج هي من قبيل التسلية، ولطالما كذب أصحابها، وبان رياؤهم وخداعهم مراراً وتكراراً، لكن المؤسف أن بعض الإعلام ما زال يروّج لهم، وكأنهم يعلمون الغيب أو كأنهم جهابذة في علم السياسة والاقتصاد، وكل ذلك بهدف تحقيق نسبة مشاهدة عالية، دون أي حس بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية .
من يراقب الأحداث ويقرأ الصحف لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لمعرفة أن أوضاعنا الاقتصادية ليست بخير ،وأن الأيام القادمة ستكون قاسية وصعبة. لكن هل يجوز دفع الناس إلى الهاوية، وإثارة الرعب والهلع لديهم ، بكلام تجاري غير مسؤول؟
صحيح تم إخراج مبالغ نقدية كبيرة من لبنان، وصحيح أن الدين بلغ رقماً قياسياً، وصحيح أنها فُقدت الثقة بالمصارف اللبنانية وشحّت مواردنا بالدولار، لكن الصحيح أيضاً أنه ما زال يوجد مبلغ عشرين مليار دولار لدى البنك المركزي، ولدينا احتياط ذهبي بقيمة تفوق ١٥مليار دولار، وأن لبنان من الدول القليلة التي ما زالت تملك معظم أصولها، البالغة قيمتها أكثر من مئة مليار دولار، فلمصلحة مَن تهديد اللبنانيين بشبح المجاعة؟
إن ما يحدث في لبنان له أسبابه، وأوّلها طبعاً فرض الشروط السياسية عليه، خاصة ما ورد في مشروع صفقة القرن. وهناك حملة سياسية إعلامية اقتصادية منظّمة، لتحقيق هذا الهدف، إنساق بها بعض الإعلام والإعلاميين والمسؤولين عن قصد وعن غير قصد .
يزيد القلق وتهافت المواطنين على السلع والدولار من حِدة الأزمة، ويُسبّب ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، خاصة بعد ما فعلته جائحة كورونا في العالم. لكن سيأتي يوم قريب، تتكشف فيه الحقائق، وسيتوقف الناس عن تكديس السلع والأموال في منازلهم، بعد أن يطمئنوا إلى أن العالم ما زال بالف خير رغم كل الصعاب .
بين من يهددنا بالحرب، وإغلاق المرافئ وحصار لبنان، وبين من يبث شائعات التخويف والترهيب، وخيال المنجمين الرحب، ومسؤولين لا هم لهم سوى تسجيل النقاط، وتحقيق المصالح الشخصية الضيقة، أصبح المواطن عالقاً في دوامة من اليأس القاتل .
نحن في خِضم الأزمة، وفي مواجهة الصعاب يحتاج الوطن إلى رجالات دولة، يقدّمون مصلحة الشعب على ما عداها، ويترفعون عن الصغائر، ويشبكون الأيدي لإنقاذ الوطن ودفع الأخطار عنه .
لقد عانى لبنان الكثير ولكنه بقي صامداً، ولا خوف من المجاعة كما يهوّل علينا البعض، والخوف الوحيد هو من رعونة بعض المسؤولين، الذين يأخذون الوطن رهينة نزواتهم، وسعيهم للحصول على كرسي هنا ومنصب هناك .
سيرحل كل من يعتقد نفسه باقياً إلى الأبد، وستسقط القابكم وهاماتكم إلى التراب، ولن يبقى منكم سوى ذكرى، تستحقون عليها اللعنة أو الثناء، وفقاً لما صنعت أيديكم، لأجيال قادمة، لن يكون لكم عليها من سلطة أو سلطان.