#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
أثار كلام الدكتورة نوّار المولوي زوجة رئيس الحكومة حسان دياب ، موجة من السخط والردود والإنتقادات، على وسائل التواصل الإجتماعي، وفي وسائل الإعلام. واعتبره البعض أنه إهانة للبنانيين، مما حدى برئاسة الحكومة إلى إصدار بيان توضيحي، اعتبرت فيه، أن كلام السيدة دياب جاء في إطار دعوة اللبنانيين للأتكال على الذات، من أجل النهوض باقتصادنا الوطني .
وكانت دياب دعت اللبنانيين للعمل في خدمة المنازل وعلى محطات المحروقات بدل العمال الأجانب، واعتبرت أن لبنان أحقّ في هذه الظروف الصعبة، بالدولارات التي ندفعها للعمال الأجانب.
ولكن ما يؤخذ على كلام السيدة دياب، ليس أن العمل في المنازل أو محطات الوقود هو إهانة، بل أنها تحاول تجاهل الحقيقة، بحيث ترى أنّ سبب الأزمة المالية، هو سلوك المواطن اللبناني ، وليس فساد الحكام الذين أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه، وعجزوا عن تقديم حلول عملية مفيدة ، وكان الأولى بالسيدة دياب الإنتباه إلى عدة نقاط أهمها:
١ -أنه لا عيب في المهنة والعمل ، وأن اللبناني يعمل في الخارج على محطات الوقود وفي المطاعم ولا يخجل في ذلك، وأنه لا يقبل هذا العمل في لبنان، بسبب الأجر المتدني، الذي لا يزيد على مئتي دولار، وهو مبلغ لا يكفي أي شاب لبناء أُسرة، في ظل غلاء المعيشة وجنون الأسعار. بينما يتقاضى اللبناني عن هذا العمل في الخليج أو كندا وغيرها، مبلغاً يفوق ٣٠٠٠ آلاف دولار، ويتمكن من العيش به وإرسال قسم منه الى ذويه ايضاً.
٢ -إن أصحاب المحطات والمطاعم في لبنان، يستقدمون العمال الأجانب ويفضّلونهم على اللبناني بسبب الأجر. وأن هؤلاء الأجانب قادرون أن يعيشوا بهذه الرواتب في بلادهم بشكل جيد بسبب فارق الاسعار.
٣ - إن القانون اللبناني لا يحمي العمال اللبنانيين من المنافسة الأجنبية، كما هو الحال في معظم الدول المتقدمة .
٤ -إن السيدة اللبنانية تعمل إلى جانب زوجها، وهي وزيرة، ومديرة، ومعلمة، وصحافية، وضابط، وجندي، وتهتم بأسرتها أيضاً، وفي كل المهن الأُخرى، ولديها كفاءة عالية. وعندما تستقدم عاملة أجنبية إلى المنزل، فهذا ليس لرغبتها في النوم والإسرخاء، بل لضيق الوقت لديها، ونقص التشريعات اللبنانية، في تحديد ساعات العمل، خاصة في القطاع الخاص .
٥ -إن اللبنانيين الذين يعملون خارج لبنان، أكانوا مهندسين، أو مدراء شركات، أو رجال أعمال أو أطباء، أو على محطات الوقود وفي المطاعم، هم ثروة لبنان الحقيقية، بحيث يبلغ دخل هؤلاء أكثر من ٥٧ مليار دولار سنوياً، ويرفدون لبنان بقسم كبير من هذه الأموال، والتي تحاول المصارف وبعض المسؤولين الآن الأستيلاء عليها، ضاربة بعرض الحائط بكافة القوانين المالية والمصرفية، في عملية سطوٍ غير مسبوق في تاريخ العالم .
٦ -لماذا سيتعلم شبابنا وشاباتنا، وما قيمة الشهادات الجامعية إذا كانوا سيعملون على محطات الوقود وخدم في المنازل؟ وهل لا يوجد حلول للأزمة التي أوصلنا إليها أصحاب الرؤوس المتحجرة العقيمة الفاسدة، من مسؤولين وحكام، سوى دعوة اللبنانيين إلى القبول بأجر ضئيل، وعمل لا يكفي لسد الرمق، فيما الدولة غائبة أو مغيبة، ولا تُقدّم شيئاً للمواطنين؟
لم تهن السيدة دياب اللبنانيين بدعوتهم للإتّكال على الذات، لكنها أهانتهم بتحوير الحقائق، وجعل المشكلة محصورة في سلوك المواطن، وطموحه إلى الرفاهية والحياة الكريمة، وكأن ذلك حق حصري للأغنياء والمسؤولين وزوجاتهم الأعزّاء، ومُحرّم على باقي المواطنين .
الإهانة هي أن نتغاضى عن مكامن الخلل الحقيقي، من هدر وفساد؛ في المشاريع، والصفقات، والسمسرات، ومعابر غير شرعية مشرّعة، ودولة سائبة، وقوانين لا تحمي المواطنين، ولا تُقدم لهم أبسط الحقوق للعمل والعيش بكرامة، وثم نطلب منهم أن يكونوا خدماً وعمال محطات .
ربما من الأجدى بالسيدة دياب وغيرها تقديم الأعتذار الى اللبنانيين، وإذا كانت هذه الحكومة عاجزة عن اجتراح الحلول، فالترحل غير مأسوف عليها، قبل أن يذهب بها غضب هذا الشعب، الذي يرفض الذل والمهانة، وسيبقى أبداً مرفوع الرأس وعالي الجبين .