#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
كان موظف البنك في لبنان شخصاً محترماً، يتم انتقاؤه استناداً الى كفاءته، وحسن أخلاقه وقدرته على التواصل مع الناس. وكان الموظف يستقبل الزبائن بابتسامة واحترام. ولطالما تفاخر اللبنانيون بقطاعهم المصرفي الذي كان رائداً، ثم انقلب بين ليلة وضحاها رأساً على عقب .
هذا الموظف اللّبِق، أصبح يشيح بوجهه عن الزبائن والأصدقاء، وبات يتعامل معهم بصلافة لم تخطر ببالهم يوماً. لم يعد مهتماً بأن يجعلك زبوناً للبنك يفاخر بك أمام رؤسائه. أمّا أصحاب البنوك فقد ارتكبوا الخطأ تلو الخطأ، وتجاوزوا كافة القوانين مع المودعين، واحتجزوا أموالهم، وسطوا عليها وأرسلوها إلى حساباتهم الخاصة في الخارج .
بغطاء من حاكم المصرف المركزي، وصمت مريب من الحكومة، ما زالت المصارف تحتجز أموال المودعين دون وجه حق. وحتى القضاء تقاعس عن إصدار الأحكام وتحقيق العدالة، باستثناء بعض الأحكام التي بقيت يتيمة، ولكن أمام تمادي البنوك صدر بتاريخ 2020/04/15 قراراً قضائياً جريئاً عن دائرة التنفيذ في صور، في الدعوى المقدمة من احد المودعين، قضى بإلقاء الحجز على بنك لبنان والمهجر في صور .
أما بالنسبة الى تمنيات حاكم المركزي والحكومة، وحتى الأتفاق بين مدعي عام التمييز والمصارف، حول ضرورة تحويل الأموال الى الطلاب في الخارج، فلم يتم الألتزام به. وتطلب المصارف من أهالي الطلاب، أن يأتوا بالدولار من الأسواق المحلية، أو أن يكون لديهم حساب غير مجمد لديها بالدولار، وترفض تحويل العملة اللبنانية. بمعنى آخر تحولت البنوك الى مراكز OMT ليس أكثر .
أمّا المودع الذي يملك حساباً بالدولار، فتقوم المصارف وبقرار من رياض سلامة، بأعطائه نصف الفائدة المستحقة بالليرة اللبنانية، على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار. وهذا يُشكّل عملية سرقة موصوفة لحقوق المودعين، خاصة أن البنوك ما زالت تتقاضى الفائدة على قروض الدولار بالدولار، وترفض تسديد هذه الأقساط من قِبل المواطنين بالليرة .
وأما ما يحصل مع الطلاب، والمواطنين الموعُودين بالعودة الى الوطن، فهو يدعو الى الأسف من دولة تُتاجر بشعبها في عزّ الأزمات، بَدل أن تمدّ لهم يد العون، أو تقوم بإجلائهم على حسابها، كما تفعل الدول التي تحترم مواطنيها .
أقلعت من مطار بيروت أكثر من عشر طائرات خاصة، لإحضار أبناء السياسيين وكبار الأغنياء، ثم احتكرت شركة الميدليست نقل الباقين، على أن يدفع الركاب ثمن البطاقات ثلاثة أضعاف السعر العادي. ورفض لبنان عرضاً قدمته شركة «برافو» لنقل الطلاب مجاناً إلى لبنان. أما اسماء العائدين فهي فقط لأصحاب الوساطة والنفوذ لدى وزارة الخارجية وبعض أجهزة الدولة .
قدمت السيدة ليلى الصلح حمادة، وعدد من أصحاب الأيادي البيضاء مساعدات لعودة الطلاب، لكن بدل أن تُمنح بالتساوي للجميع، أو لأبناء الفقراء الذين يتعلمون في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا تم تخصيصها الى الطلاب في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا بالدرجة الأولى وإذا بقي منها شيئ قد تتم مساعدة الفقراء .
دولة تعجز عن توفير العلم لأبنائها، وتسمح للجامعات الخاصة باحتكار التعليم، بأسعار تفوق قدرة معظم اللبنانيين. وتدفع بالطلاب الى مكابدة الغربة وشظف العيش في الخارج ليُكملوا تعليمهم، ثم تترك الفقراء منهم، وتسعى خلف الأغنياء وميسوري الحال، وتُكمل البنوك عميلة القضاء على أمل هؤلاء، فتمنع تحويل تلك المبالغ الصغيرة، التي بالكاد يتمكن الأهل من توفيرها لأبنائهم .
هل يمكن أن يستيقظ ضمير المسؤولين وأصحاب البنوك؟ وهل يُمكن أن لا يمارسوا الإنتقائية ولا يذلّوا الطلاب وأهلهم واللّا يدفعونهم إلى التماس الوساطات، ويوفّروا العودة للجميع وبدون تمييز؟ وتُسهل المصارف تحويل الأموال، وتقبل العملة الوطنية؟
إن واجب الدولة الأول هو توفير العلم لطلابها، وإذا كانت تعجز عن ذلك، فهل فعلاً هي عاجزة عن إعادة الطلاب الى وطنهم، في ذروة الأزمة؟ وهل يجوز أن تتركهم عِرضة لشتى أنواع المصاعب والمعاناة؟ وهل يحق لمسؤول كهذا أن يحكم وطناً ويؤتمن على مصير شعب؟
إن طلابنا في الخارج يخوضون معركة حقيقية، قد تودي بمصيرهم ومستقبلهم، في مواجهة بلطجة المصارف، بتغطية من حاكم المصرف المركزي، وتقاعس القضاء، وغياب شبه كامل للحكومة، وأهل لا حول لهم ولا قوة، بعد أن فقدوا عملهم، وفقدت رواتبهم أكثر من نصف قيمتها، مع الأرتفاع الجنوني لأسعار السلع والدولار .