تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
أثارت تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب عاصفة حول العالم، بدءاً من دعوته لضم كندا، والسيطرة على قناة بانما، وشراء غرينلاند وغزة، وصولاً إلى مطالبة أوكرانيا بدفع مبلغ 350 مليار دولار، مقابل المساعدات الأمريكية لها خلال الحرب، وعرضه أن تقدم أوكرانيا لأمريكا 50% من كل ما تملك من مناجم للمعادن الثمينة.
يوجد في أوكرانيا 117 نوعاً من المعادن، بينها 22 من المعادن الثمينة، والتي تحتاجها الولايات المتحدة الامريكية بشدة في صناعاتها الحديثة، من هواتف وشرائح الكترونية وأسلحة وغير ذلك.، ولن نفصّل هنا انواع تلك المعادن فهي معروفة والتقارير عنها عديدة.
وتُقدّر كمية المعادن الموجودة في أوكرانيا بأكثر من 111 الف طن، وتبلغ قيمتها أكثر من 10 ترليون دولار، وبحسب مصادر أوكرانية قد تصل إلى 26 ترليون دولار، مما يعني أن ترامب يريد أكثر من عشرين ضعفًا، مما قدمت الولايات المتحدة الامريكية لأوكرانيا أثناء الحرب.
وعندما رفض زيلينسكي التوقيع على الاتفاقية، التي أعدتها أمريكا من جانب واحد، شن عليه ترامب هجوماً صاعقاً ووصفه بالدكتاتور وأنه رئيس غير شرعي، ولوّح بالمفاوضات مع بوتين وابرام صفقة على حساب أوكرانيا. ثم عاد ترامب ليصف زيلينسكي بالرجل الشجاع بعدما وافق على توقيع اتفاق المعادن الثمينة اضافة إلى النفط والغاز.
تعرض اوكرانيا الآن على ترامب تمويل صندوق للاستثمار واعادة الاعمار بمبلغ يصل إلى 500 مليار دولار، تدفع فيه أوكرانيا ضعف ما تدفعه أمريكا من هذه العائدات، وستسترد الولايات المتحدة الأمريكية، ثمن ما قدمته من مساعدات عسكرية لاوكرانيا، مقابل ضمانات امنية في مواجهة روسيا، التي استولت على قسم كبير من هذه الثروات الموجودة في شرق أوكرانيا.
ما يقوله ترامب يكشف حقيقة العقل الأمريكي وطريقته في التفكير، بحيث يكون كل شيء لديه قابلاً للبيع والشراء، وبلحظة واحدة قد يبيعك منطقة أو دولة بأكملها، أو يزيل نظاماً ويدمر مدنناً على رأس قاطنيها، كما حدث في هيروشيما ونغازاكي، وصولاً إلى تدمير فيتنام، وكوريا، ويوغوسلافيا، والعراق، وافغانستان، وليبيا، و سوريا وغيرها.
عملة عالمية جديدة بدلاً من الدولار تُخطط دول البريكس لإصدارها قريباً، وهذا ما أثار قلق الأمريكيين وجعل الرئيس ترامب يهدد دول البريكس، بضرائب ستصل إلى مئة بالمئة، في حال اقدمت على استبدال الدولار بعملة مشتركة جديدة.
يهتم ترامب كثيراً لهذا الموضوع، حتى أكثر مما يهتم بثروات أوكرانيا المبالغ بحجمها، وغير المؤكدة، ويريد مقايضة هذا الموضوع مع روسيا، وبات مستعداً للتخلي عن أوكرانيا، مقابل الحفاظ على دور الدولار كعملة عالمية، تهيمن على الأسواق، إضافة إلى أسباب أخرى جيوسياسية.
فالرئيس الأمريكي يدرك جيداً أهمية استمرار هيمنة الدولار على الاسواق والتبادلات التجارية العالمية، خاصة أن الدولار بات خارج أي تغطية ذهبية، وتتحكم أمريكا بشكل منفرد وحر بطبع قدر ما تشاء من هذه الأوراق الخضراء.
وطبعاً النقطة الأهم، هي أن الولايات المتحدة الامريكية تستطيع بواسطة الدولار، تحطيم اقتصاد أي دولة من دول العالم الثالث، وحتى إضعاف اقتصاد الدول الكبرى والمتقدمة، هذا إضافة إلى شراء ثروات العالم بأوراق لا قيمة فعلية لها، سوى فرض هيمنتها على المبادلات التجارية العالمية.
بالعودة إلى أصل المشكلة في أوكرانيا، فهي لم تكن تتعلق بسيادة أوكرانيا والقانون الدولي والدفاع عن أوروبا، فهذه كلها شعارات تم استخدامها للتغطية على الأهداف الحيقية، كما يحصل في أي حرب.
فالحرب الأوكرانية ترتبط بالصراع الدولي بين روسيا والغرب، ومحاولات تطويق روسيا بدول الناتو والازمات، وصولاً إلى محاولات تفكيك روسيا من الداخل، وكان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أشد المتحمسين لهذا المشروع.
كما بات معروفًا، لقد تم دفع أوكرانيا الى الحرب، فمنذ زمن بعيد كانت عين أمريكا والبريطانيين على شبه جزيرة القرم، وضغطوا عام 2014 على أوكرانيا، لنقض المعاهدة مع روسيا، والتي كانت تسمح بوجود عسكري روسي في قاعدة سفاستوبول على البحر الأسود. لكن روسيا ردت باستفتاء شعبي في شبه الجزيرة، وقامت بضم القرم.
لم تيأس أمريكا والغرب، وقرروا خوض الحرب ضد روسيا، لكن بالجيش الأوكراني، الذي كان يحتاج إلى وقت للاستعداد للمعركة الكبرى، وبدأوا بتجهيزه وتغذية روح الكراهية ضد روسيا في أوكرانيا.
ارتكبت روسيا خطأً استراتيجياً، أولاً في محاولتها الضغط على أوكرانيا، لمنعها من توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وثانياً بالتغاضي عن المساعدات الغربية التي كانت تصل إلى أوكرانيا، وعدم اكتشاف المخطط الغربي، وكان يكفي لروسيا أن تقدم لأوكرانيا، ما هو بقيمة ربع خسائرها في هذه الحرب، وتكسب كل الشعب الأوكراني إلى جانبها، بل ربما عودة البلدين إلى الاتحاد.
اليوم بعد ثلاث سنوات على حربٍ، أنفق فيها الغرب مليارات الدولارات، لدعم أوكرانيا، وفرض كل أنواع العقوبات على روسيا، وكان يتوقع أن يؤدي ذلك ألى انهيار حتمي لروسيا في غضون أسابيع.
لم يحصل ما أراده الغرب وصمدت روسيا، ونجحت في تطوير جيشها وأسلحتها، وهي تتقدم يومياً في ميدان القتال وتسيطر على المزيد من الأراضي الأوكرانية، بعد أن فشل الهجوم الأوكراني المعاكس، الذي أعدّ له الغرب، وقدم الكثير من الأسلحة والدعم لأوكرانيا، ثم تبين كما قال دونالد ترامب، أن كل هذه المساعدات ذهبت هباءً، ولم تحقق الأهداف المرسومة لهذه الحرب.
فالمتضرر الأكبر من الحرب، بعد أوكرانيا طبعاً، كانت أوروبا التي فقدت مورداً هاماً لصناعاتها، من نفط وغاز ومعادن وغير ذلك.
أمًا الولايات المتحدة الامريكية، فقد دفعت روسيا إلى الحضن الصيني، واستفادت الصين من علاقاتها مع روسيا، بشراء مواد أولية بأسعار أقل من سعر السوق، إضافة إلى نقل بعض التقنيات العسكرية، خاصة في مجالات سلاح؛ البحرية، والطيران الحربي، والصواريخ.
لقد بات الصراع الأوكراني، يصبّ بشكل غير مباشر في مصلحة الصين، وهذا التكتل الكبير ضمن البريكس، يشكّل التحدي الأكبر أمام أمريكا.
لكل هذه الأسباب، نرى اندفاعة ترامب لمقايضة مع روسيا، على حساب أوكرانيا وأوروبا، وأكثر ما يشغل بال ترامب، هو وقف الاندفاعة الروسية نحو سباق تسلح جديد في العالم، وتخفيض الترسانة النووية، ولقد أصدر أوامره فعلاً بخفض موازنة الدفاع، بنسبة 8% للأعوام القادمة.
على أمل أن يعم السلام في أوكرانيا والعالم، يبقى أنه من المؤكد أن كلفة السلام أقل بكثير من كلفة الحروب، حتى على الطرف الذي يخرج منتصراً في ميدان القتال.
فهل ينجح ترامب ومشروعه "السلام بالقوة"، أم سيكون العالم أمام حروب عبثية جديدة؟؟؟
الجواب يبقى للأيام والسنوات القادمة.