تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
بقلم صموئيل نبيل أديب
تـبهـرني دائـما تـلك النفـوس التي تتـذكر المنتقلين بالـرغم من مـرور السـنوات، أنا الـذي انسى ماذا أكلت في الصـباح من كثرة ضغوطات الحياة .. اتسأل كيف تستطـيع ذاكـرة شخـص أن تتذكر ملامح و أحداث و تفاصيل المنتقلين منذ ٤٠ عامـا مثلا،
ما هذه الذاكرة الفولاذية التي لديهم؟!
و لكني اكتشفت انه الحـب.. نحن نتذكر من نحبـهم حتى لو ضرب الزهـايـمر ذاكرتنا،.. يبقى القلب مشتـعـلا بهم حتي لو بهـتت صـورتهم و اختفى الصـوت من الذاكرة ..
أفعالهم هي التي حفـرت حبهم في قلوبنا و هي التي تـُذكرنا بِهم، نحن ربما ننسـي "الوشوش" و لكننا لا ننسـى الفعـل.. كما لا تنسي الطفلة حضن والدها، و لاتنسي فرحته بنجـاحها…
عم حنا .. صغيراً كطفل في التاسعة من عمره كل ما أعرفه وقتها أنه زوج ابنة عمة والدي.. جسمه رفيع و وجهه نحيل مع شنب خطه بياض الشعر و صوت هادئ لا تسمعه احيانا ، واليوم فرح احدى بناته حيث ارسلني والدي إلى بيته للمساعدة في تجهيزات الفرح صباح ليلة الزفاف .. بيتهـم المكون من طابقين كان مليئاً بالناس، و لكن فى الطابق الثاني كانت توجد العروس مع أختها تقيس فستان الزفاف، الذي اشترته منذ يومين، و لكني سمعتها تبكي..!!
"خير فيه إيه.. مالك؟ ".. يقولها عم حنا و هو يصعد السلالم جريا إلى غرفة ابنته .. تخبره اختها ان الفستان لا يعجبها بسبب خطأٍ فيه.. وأنها كانت تريد أن تشـتري الفستان الآخر من مدينة قنا..
و لكن قنا على مسافة ساعة ونصف ذهابا و مثلها ايابا.. الفرح الساعه ٧ مساء و الآن الساعه 12 ظهرا.. تكلفة الفستان في ذلك الوقت 500 جنيه وهو مبلغ كبير جداً في اوائل التسعينات يعادل مرتب شهور لموظف مثل عم حنا .. كان الموضوع كله غير منطقي و صعب جداً، وسط ضغوطات يوم الزفاف و حضور المعازيم، و المشاكل التي يحملها الآباء فوق أكتافهم ..
و لكني اتذكر موقف عم حنا جيدا.. حضن ابنته قائلا (وايه يعني.. أجيبلك اللي انتي عيزاها..اروح أجيب لك الفستان و اجي علشان تبقى اجمل عروسه النهارده .. فيه عروسه تبكي يوم فرحها؟ .. اهدي اهدي )..
كان صوته هادئا مُحبا.. متفهما لضغوطات اليوم على نفسية ابنته...كان يتحدث كما لو لم يكن عليه هو نفسه ضغوطات مضاعفة ، كما لو كان العالم كله قد توقف عن الدوران و ان دموع ابنته هي الأهم عنده من مئات المعازيم المنتظرينه بالأسفل، و من مجهود ثلالث ساعات سفر ..
هل اشترى لها الفستان فعلا؟ لا أعرف فقد عدت الى منزلي و تركته يحتضن ابنته.. و لكن بقي الموقف في ذاكرتي إلى الآن، بعد ثلاثين عاماً ...لازلت اتذكر هدوءه و نبرة صوته و سلامه الملائكي، والأهم نظرات حُبه الى بناته..
نعم قد تتلاشى الصور من الذاكرة، و لكن الأفعال هي التي تجعلنا نتذكر الآخرين، حتى لو بعد مائة سنة..الأفعال هي التي تملك قلوبنا و تجعل عيوننا تبكي على فراقهم نهارا و ليلا..
حيث الحب الذي لا ينسى …
في الذكري السادسة و العشرين لرحيل طيب الذكر الأستاذ حنا اسكندر ميخائيل