تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
بعد أن كشف حزب الله عن وجود أنفاق ومنشآت تحت الأرض، يُخبئ بداخلها صواريخه ومخازن ذخيرته، ويؤمّن من خلالها الحماية التامة لعناصره وغرف عملياته وقواعده اللوجستية، في مواجهة التفوّق الجوي الذي تمتلكه إسرائيل، أثار البعض مسألة قانونية هذه الأنفاق، معتبراً أنها تُشكّل اعتداءً على الأملاك الخاصة، المحمية بموجب الدستور والقانون.
واستند هؤلاء إلى نص المادة 13 من القرار رقم 3339 الصادر عن المفوض السامي للجمهورية الفرنساوية بتاريخ 1930/11/12، حول تنظيم الملكية العقارية، والذي ما زال معمولاً به في لبنان حتى اليوم،
وتنص المادة 13 على: "تشمل ملكية الأرض ملكية ما فوق سطح الأرض وما تحته … لمالك أرض أن يجري فيها حفريات إلى أي عمق يشاء… ضمن التقييدات الناتجة عن القوانين والقرارات والأنظمة".
لم يكلّف البعض نفسه (وربما عن قصد) عناء البحث عن هذه التقييدات المذكورة في المادة 13، والتي تفرضها القوانين اللبنانية على مالك الأرض, وتحدّ من حريته في استخدام أرضه أو الحفر فيها.
لن أُدخل القارئ الكريم في تفاصيل قوانين البناء والاستملاك والمُصادرة وغيرها فهي كثيرة، ولكن فقط ساكتفي بالإشارة إلى بعض مواد القانون التي تضع المصلحة العامة للبلاد فوق المصالح الخاصة للأفراد، ومستلزمات الدفاع الوطني، وما ينص عليه القانون في حالات الحرب والطوارئ وإعلان المنطقة العسكرية.
وفقاً للقانون 550 تاريخ 2003/10/20
المادة 1
في حالة الحرب المعلنة، أو عند إعلان منطقة عسكرية، أو حالة الطوارئ يمكن لوزير الدفاع الوطني، بصورة مؤقتة، وبناء على اقتراح قائد الجيش، مصادرة أو تملّك الأموال المنقولة التي تستهلك كليا بالاستعمال، أو الأموال التي لا تستهلك كليا بالاستعمال أو العقارات.
المادة 2
تتم المصادرة بقرار معلل من وزير الدفاع الوطني بناء على اقتراح قائد الجيش.
إضافة إلى هذا القانون، يوجد طبعاً أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 4 تاريخ 1954/11/30 المتعلق بالاستملاك للمنفعة العامة، والقرار رقم 113 تاريخ 1933/9/8 المتعلق بحفر المناجم والدهاليز.
طبعاً لا يوجد أي مشكلة إذا كان الحفر قد تم تحت عقار خاص بموافقة المالك، أو تحت الاملاك العمومية بموافقة الدولة، لكن المسألة تثير إشكالية عند عدم موافقة صاحب العقار، وثانياً حول مشروعية عمل المقاومة وحقها في حفر الانفاق حتى في تحت املاك الدولة اللبنانية، فالقانون يعطي هذا الحق للجيش اللبناني.
بداية من المهم أن نوضح أن الشرعية لأي عمل هي مفهوم عام، يستند إلى موافقة وتأييد الغالبية الشعبية له، أمّا مشروعية العمل فهي استناده إلى نصوص القانون التي تجيز القيام به.
وبناء على ما تقدم فلا شك أن المقاومة تتمتع بشرعية وتأييد قسم كبير من اللبنانيين، والمعارضين لها هم أقلية عددية في لبنان، فغالبية القوى السياسية أعلنت دعمها للمقاومة، في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي على لبنان.
أما لناحية المشروعية فالحق بمقاومة الاحتلال، نصت عليه شرعة الأمم المتحدة، وتُقرّه كل الأعراف الدولية.
وفي لبنان بدأت المقاومة من قِبل أحزاب الحركة الوطنية، مع بداية الاحتلال الإسرائيلي للشريط الحدودي عام 1978، ثم اشتدّت بعد اجتياح عام 1982، الذي وصل إلى العاصم بيروت.
زاد الاجتياح الاسرائيلي من حدة انقسام اللبنانيين، الذين كانوا غارقين في الحرب الأهلية، فساند البعض منهم الجيش الإسرائيلي، واستقوى به على أخصامه وشركائه في الوطن، فيما عمد القسم الآخر إلى المقاومة، بدعم من سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية.
شيئاً فشيئاً اشتدّت ضربات المقاومة، وأجبرت الاسرائيلي على الانسحاب الجزئي، لكنه احتفظ بمنطقة الشريط الحدودي، وعاونه في ذلك عدد كبير من العملاء، الذين انخرطوا في جيش لحد آنذاك.
بعد اتفاق الطائف وحل الميليشيات في لبنان، أصبح حزب الله هو القوة التي تقود عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونجح عام 2000 في تحرير لبنان، لكن إسرائيل بقيت تحتل مناطق صغيرة مهمة من ناحية استراتيجية، في 13 نقطة على الحدود، إضافة الى نصف الغجر ومزارع شبعة.
بقيت المقاومة تُشكّل عامل قلق لإسرائيل، وقام حزب الله عام 2006 بتنفيذ محاولة أسر جنود إسرائيليين، لكنهم قُتلوا في العملية، وتم سحب جثثهم إلى لبنان، فشنت إسرائيل حرباً مدمرة انتهت بالقرار 1701 الذي نص على وقف العمليات الحربية، وانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة، والتوقف عن انتهاك سيادة لبنان، وانسحاب حزب الله إلى شمالي الليطاني، وزيادة عديد القوات الدولية، وتمت عملية تبادل للأسرى، تم فيها تحرير كل الأسرى اللبنانيين، من سجون الاحتلال الصهيوني.
منذ اتفاق الطائف ادرجت الحكومات اللبنانية في بياناتها الوزارية، دعم وحدة الجيش والشعب والمقاومة، وتُعتبر هذه البيانات سنداً قانونياً بشرعية ومشروعية المقاومة، وحتى اليوم لم يصدر أي قرار عن الدولة اللبنانية، يمنع عمل المقاومة أو يرفضه أو يحد من حركتها.
استند الجيش اللبناني والقوى الأمنية إلى بيانات الحكومات اللبنانية المتعاقبة، لتسهيل حركة المقاومة، وعدم اعتراض عمليات نقل الأسلحة والذخائر، أو أي أعمال عسكرية للمقاومة، التي التزمت أيضاً بالسرية، والتنسيق الدائم مع القوى الأمنية، وخاصة مع الجيش اللبناني.
كل شعوب ودول العالم تكرّم شهداء وابطال المقاومة، الذين يساهمون في تحرير الوطن والدفاع عنه، لكن في لبنان يريد البعض تجريد المقاومة من سلاحها، والدفع بعدم شرعيتها، لحسابات التوازنات الداخلية، والخوف من استخدام حزب الله قوته للسيطرة على لبنان.
قد تكون هواجس البعض مفهومة، لكن تنصّل البعض من الانخراط في مقاومة الاحتلال، وانكفائه للبحث عن النفوذ والحصص في الحكم، لا يبرر مطالباته بعدم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وقبوله بالانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية، ولا يتوافق هذا الأداء مع شعارات السيادة التي يتمسك بها هذا البعض.
فكيف يكون حمل المقاومة للسلاح مرفوضاً من قبل لبناني، فيما احتلال اسرائيل لاراض لبنانية، وانتهاكاتها اليومية لسيادته أمراً مقبولاً؟؟؟
لا شك أن كل لبناني مخلص يريد دولة قوية، تحفظ حقوق وكرامة اللبنانيين، على أسس العدالة والمساواة، وأولى متطلبات الدولة القوية، وجود جيش قوي، لكن إصرار البعض على إبقاء الجيش ضعيفاً، وعدم تزويده بما يلزم من أسلحة للدفاع عن لبنان، والمطالبة في نفس الوقت بتجريد المقاومة من سلاحها، يصبح أمراً غريباً عن المنطق، وبعيداً عن الوطنية والمطالبة بسيادة لبنان.
ما زالت إسرائيل تحتل أراض لبنانية، وتنتهك سيادة لبنان بشكل متكرر، وهذا يكفي لإعطاء المقاومة شرعية ومشروعية وجودها وسلاحها، وحقها في اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية عناصرها، والدفاع عن لبنان، بما في ذلك حفر الانفاق، وتخزين السلاح، وكل ما هو من حق القوات الشرعية هو من حقها لأنها تدافع عن المصلحة الوطنية العليا، وليس عن مصالح فئوية خاصة.
وكل دول العالم التي قاومت الاحتلال، حفرت الانفاق، واستخدمت كثيراً من الممتلكات الخاصة، في خدمة تحقيق الهدف الأسمى المتمثّل بتحرير الوطن من الاحتلال
أما لمن يبدي حرصه على حقوق المالك، ليتحدث عن عدم مشروعية انفاق المقاومة، نقول يا ليتكم تحدثتم عن كرامة لبنان، وسألتم انفسكم ماذا فعلتم لتحرير وطنكم من المحتل .
أليست مقاومة الاحتلال واجباً وطنياً على كل لبناني؟؟؟ وكيف لمن لم يفعل شيئاً لتحرير وطنه، أن يزايد على من يضحي بنفسه فداء الوطن؟؟؟
الوطنية هي بالممارسة وليست بالشعارات، وتحرير الأوطان يتم بالمقاومة والسلاح وليس بالتمنيات، والأحرى بمن يتخاذل عن القيام بواجبه، أن يصمت ويخجل من نفسه، لأن الوطن يكبر برجاله المخلصين وبشهدائه وليس بسارقيه وعملائه.