تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي " ***
تقدّمت جنوب أفريقيا، بعد أن انكفأ العرب، وجامعتهم العربية، وامتنعوا عن الإدانة الصريحة لجريمة الإبادة، التي تُنفّذها إسرائيل، بحق الفلسطينيين في غزة.
فيما انبرت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، من المدافعين عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، لتشكيل "حارس الازدهار" وحماية سفينة تجارية في باب المندب.
دون أن يحرك مشاعر زعماء هذا التحالف العظيم، شلال الدم المتدفّق في غزة، ولا أصوات وصراخ آلاف الاطفال والنساء، الذين دفنتهم إسرائيل أحياء، تحت أنقاض؛ المنازل، والمدارس، والمستشفيات، والجوامع، والكنائس.
وكل ذلك بأسلحة وذخائر أمريكية.
وتستكمل إسرائيل المجزرة، بترك من بقي حياً من سكان غزة، ليموت برداً وجوعاً وعطشاً، يفترش رمل الشاطئ، ويلتحف غيمةً، ودخان قذائف أمريكية إسرائيلية، حجبت صُور الموت والقتل العشوائي الظالم، عن أعين زعماء العالم، الذي يسمّي نفسه حُرّاً.
هؤلاء هم أعلام حضارة الغرب، المتدافعين للدفاع عن إسرائيل، وحماية سفينة بضائع متجهة إليها، فوق جثث الاطفال ونهر الدماء والدموع الغزاوي.
في 26 يناير الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها، في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، بتهمة ارتكاب إبادة، بحق الفلسطينيتين في غزة.
والجدير بالذكر أن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي أُقرّت عام 1949 كردًّ على مجازر الإبادة، التي يُقال أنها ارتكبتها المانيا النازية بحق اليهود، خلال الحرب العالمية الثانية، تُلزم جميع الدول الموقّعة عليها، بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، وبمنعها، والمعاقبة عليها.
وتعُرّف المعاهدة "الإبادة الجماعية" بأنها:
"الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي، أو الجزئي لجماعة قومية ،أو إثنية أو عنصرية أو دينية" بصفتها هذه:
1. قتل أعضاء من الجماعة.
2. إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم لأعضاء الجماعة.
3. إخضاع عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
4. فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
5. نقل الأطفال بالقوة من مجموعة إلى مجموعة أخرى.
تُعرّف المادة 3 الجرائم التي يمكن أن يعاقب عليها:
1. الإبادة الجماعية.
2. التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
3. التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
4. محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
5. الاشتراك في الإبادة الجماعية.
يتضح من النص الوارد أعلاه، أن إدانة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة، ومعاقبتها على الجريمة (فيما لو حصل ذلك)، فيجب أن تطال العقوبات أيضاً، الدول الداعمة لإسرائيل، والمشاركة معها في الحرب على غزة.
أي أن القرار الصادر عن المحكمة الدولية، يُجبر الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وغيرها من الدول، على وقف مساعداتها لإسرائيل، وإلا يمكن اعتبارها شريكًا في الجريمة.
كما أن كل الدول الموقعة على المعاهدة، تصبح ملزمة باتخاذ اجراءات رادعة ضد إسرائيل، لوقف عملية قتل الفلسطينيين.
هدد سبعة قضاة في محكمة العدل الدولية بالاستقالة، فيما لو اتخذت المحكمة قراراً بإدانة إسرائيل.
تجنبت المحكمة إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ورغم كل الاثباتات المتوافرة لديها، وصور المجازر والجرائم المروّعة المرتكبة، والموثّقة بالصوت والصورة، لم تتم إدانة إسرائيل، ولا حتى الإشارة ولو من بعيد إلى تلك الجرائم.
جل ما فعلته المحكمة أنها طلبت من إسرائيل أن تتخذ "كل الإجراءات التي في وسعها (ونشدد على عبارة: التي في وسعها) لمنع ارتكاب جميع الأفعال، ضمن نطاق المادة الثانية، من اتفاقية الإبادة الجماعية".
وأقرت المحكمة بحق الفلسطينيين، في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية، مؤكّدة أن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل.
وتكون المحكمة بذلك قد باعت الفلسطينين من "كيسهم"، فالسلطة الفلسطينية قد انظمت إلى الموقّعين على اتفاقية الإبادة، ولا يمكن للمحكمة تجاوز ذلك.
وكانت المحكمة الدولية قد اعتبرت سابقاً، أن السلطة الفلسطينية ليست ذات أهلية، في الدعوى التي قدّمتها فلسطين ضد الولايات المتحدة الأمريكية، في مسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
و ربما الحسنة الوحيدة التي فعلتها المحكمة، هي الجزء من القرار الذي يذكر، بأن على إسرائيل الالتزام، بتجنّب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري.
وبموجب الحكم أيضاً، يتعين على إسرائيل أن ترفع تقريراً إلى المحكمة، في غضون شهر ،بشأن كل التدابير المؤقتة.
لم تجرؤ المحكمة على توجيه إدانة واضحة لإسرائيل، كما لم تجرؤ على طلب وقف إطلاق النار.
لم تكترث إسرائيل بقرار المحكمة الدولية، واستمرت بارتكاب المزيد من القتل وتدمير المنازل والبنى التحتية، والحصار والتجويع لسكان غزة.
بل أكثر من ذلك ردّت باتهام 12 موظفاً في الأونروا، بأنهم شاركوا في هجوم حماس في 7 اكتوبر الماضي، ومن دون تقديم أي اثباتات على ادعاءاتها، أقدمت عدة دول على تعليق مساعداتها لمنظمة غوث اللاجئين.
وكأنها كانت تنتظر الاتهام الإسرائيلي، لتقضي على الاونروا، وتخنق الشعب الفلسطيني، المُهجّر من أرضه، التي يحتلها ويتنعم بها، مستوطنون جاؤوا من كل حدب وصوب، ليكونوا شركاء في جريمة قتل وابادة شعبٍ، يأبى أن يتنازل أو يتخلى عن أرضه وكرامته.
وعلى افتراض صحة مشاركة هؤلاء الأشخاص المتهمين من الأونروا، في عمليات ضد إسرائيل، فبأي حق تتم معاقبة شعب بكامله، و 13 الف موظف فيها، لمجرد اتهام عدد صغير من موظفي الوكالة؟؟؟
قادت الولايات المتحدة الأمريكية عملية معاقبة الفلسطينين ومنظمة الأونروا.
وفي حين كانت تقدّم أمريكا حوالي 300 مليون دولار للاونروا، تقدًم مساعدات عسكرية لإسرائيل بأكثر من 3 مليار دولار، ليتم بها قتل وإبادة الشعب الفلسطيني.
لقد جاء الرد الأمريكو-إسرائيلي على قرار المحكمة، قاسياً جداً على الفلسطينيين، الذين تأملوا خيراً بتحقيق العدالة.
ولو تجرأت المحكمة على أكثر من ذلك، لكانت غامرت بمصيرها، وربما كان يمكن أن تزول نهائياً من الوجود.
نصت اتفاقات اوسلو، على أن تبدأ في عام 1999 مباحثات الوضع النهائي، لاقامة دولة فلسطين.
لكن وبعد أكثر من ربع قرن، لم تحصل فلسطين على شيءٍ، وجل ما قدمته لها الأمم المتحدة، هو القبول بفلسطين كعضو مراقب، ولم تعترف بها كدولة، ولم تحصل على حق التصويت.
لو كانت دولة أخرى من أخصام أمريكا، ارتكبت نصف ما ارتكبته إسرائيل من جرائم في غزة، لتم إعلانها دولة ارهابية، ولكانت أمريكا وأوروبا، شكّلتا تحالفاً دولياً لمهاجمتها.
لكن إسرائيل تبقى فوق كل القوانين الدولية، والقرار الذي اصدرته محكمة العدل، هو مجرد مخرج لحكومة نتنياهو، لتبرير وقفها للحرب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، بعد أن فشلت، خلال أربعة أشهر من القتال، في تحقيق أي هدف من أهدافها، التي أعلنتها في بداية الحرب.
لقد ايقنت إسرائيل باستحالة استعادة ولو أسيراً واحداً حياً بالقوة من حماس، كما ايقنت باستحالة القضاء على حماس، التي باتت أكثر شعبية، وتحوّلت إلى ايديولوجية مقاومة يرضعها أطفال فلسطين مع الحليب، ويكبرون وتكبر معهم، لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
لا شك أن الدمار الذي لحق بغزة مروّع، وجريمة لا توصف، لكن إذا ربحت إسرائيل معركة، فهذا لا يعني أنها ربحت الحرب.
بل على العكس فهي تكبدت هزيمة لا توصف، ستعاني من تبعاتها لسنوات، فيما حصدت المقاومة، من غزة إلى لبنان واليمن والعراق، نصراً مبيناً، سيكتب بأحرف من نور، في تاريخ نضال الشعوب، من أجل الحرية والسيادة والاستقلال.
ولا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر.
*** رئيس تحرير "الثائر" - خبير قانون دولي انساني