تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
"الصديق وقت الضيق" وهذا حالنا مع ابو صالح، ذهبنا نشكو إليه أحوال الرعية، وما حل بنا من جور الحكام من ظلم وغمام، فروى لنا وقال:
يُحكى أن جماعة من الأسود كانت تعيش في عرين، وبالقرب منها تنتشر جماعات أخرى من سكان الغابة.
وكانت جماعة الأسود قد نظمت حياتها، ووضعت القواعد والقوانين وفق مبادئ العدالة والانصاف والديمقراطية.
وكانت تجتمع في كل عام وتنتخب زعيماً جديداً لها، يشرف على إدارة الجماعة، ويهتم بشؤونها، ويحافظ على الغابة، واستمرار الحياة فيها.
سمعت جماعة الثعالب بأن الأسود تعتمد مبدأ الديمقراطية في الحكم، فارسلت وفداً لمقابلة الزعيم، وطلبت منه الاشتراك في الانتخابات، وابداء رأيها باختيار الأسد الذي سيحكم الغابة، فهي جزء من هذا المجتمع، ولها دورها في الحفاظ على الغابة.
عقدت جماعة الأسود اجتماعاً، وتناقشت في طلب الثعالب، وبعد جولة من الأخذ والرد والهد والقد، تقرر إشراك جميع سكان الغابة في الانتخابات، وعاشت الغابة سنوات من الرخاء والطمأنينة.
وفي إحدى المرات، حدث أن أصبح التنافس على أشده بين الأسود على كرسي الحكم، وراحوا يتقاتلون حتى خارت قواهم، وكادوا يهدمون العرين برمته، ثم قرروا الاحتكام إلى رأي سكان الغابة.
استغل زعيم جماعة الحمير الفرصة السانحة، وتزيّا بزي أسد ورشح نفسه إلى الانتخابات، وأقنع الجميع بضرورة انتخابه حاكماً على الغابة، كونه اطول من باقي الأسود، ويستطيع أن يحمل أكثر منهم، كما أنه سيوفر لسكان الغابة كل ما يحتاجونه من طعام.
لم تكن جماعة الاسود تعلم بمكيدة الحمار، وعندما انتهت الانتخابات وتم فرز الأصوات، تبين أن الأسد (الحمار) هو الفائز بكرسي الحكم.
رضخت الأسود لنتائج الانتخابات، ولكن مشكلة الحمار أنه عجز عن وضع التاج الملكي على رأسه، وصعب عليه ارتداء فروة الأسد ليل نهار، فاتخذ مقراً له خلف شجرة كبيرة في الغابة، كان يخاطب الرعية من خلفها باعتباره الأسد ملك الغابة.
كان الحمار ينصرف طيلة الوقت إلى الرعي، ويأكل علف باقي الحيوانات، حتى طعام الفقراء، الذي اعتادت جماعة الأسود توزيعه على المحتاجين من أهل الغابة، كان الحمار يأخذ نصفه ويخبئه في معلفه، وينهض ليلاً ويأكله في غفلة من جماعة الأسود.
لم يكن للحمار علم بقوانين الأسود، وأصول اللياقات، وقواعد التخاطب والجلوس والكلام، وراح يستظل تلك الشجرة، كلما طلبت الرعية لقاءه.
وكان عدد من الثعالب والأرانب، يجلسون بشكل دائري حول الحمار، يمنعون أي أحد من الاقتراب منه.
فرض الزعيم الجديد أعرافاً جديدة، وطلب من كل جماعة في الغابة، أن ترسل له كل يوم هدية، وأن يدخل الزوار إلى عرينه، زحفاً على البطون، وأن يركعوا ويسجدوا أمامه، ولا ينظرون إليه ابداً.
ساءت أحوال الرعية، وبدأ الفقراء يشتكون من قلة الطعام، وقالوا أن الزعيم يأكل نصفه، ويطعم جماعته من الثعالب والارانب ويغدق عليهم العطاء، وأنه نقض الأعراف والمبادئ التي قامت عليها جماعة الأسود، وأساء إلى كبارهم، وأصبح متكبراً ومتشاوفاً مغروراً، يصدر قراراته دون أخذ رأي أحد في الاعتبار.
قررت جماعة من الأسود الذهاب لمواجهة الزعيم، ومصارحته حول أحوال الرعية، وعندما وصلوا، اختبأ الحمار كعادته خلف الشجرة، وراح يخاطبهم مهدداً متوعدا
بالثبور وعظائم الأمور، إن لم يعودوا ادراجهم ولم ينصاعوا لقراراته.
لكن أسداً ذكياً وشجاعاً، نظر فرأى أذني الحمار بارزتين من خلف الشجرة، فعرف أن هذا الزعيم هو الحمار بعينه، فطلب منه أن يخرج من خلف الشجرة، ويُظهر نفسه للرعية، لكن الحمار ارتعب ورفض الظهور، فقفز عليه الأسد، وضربه بكفه وأخرجه من خلف الشجرة، وعرّاه من فروة الأسد التي كان يلفها حول عنقه، فرأت الأسود أن زعيمها هو الحمار المخادع، الذي ظن أن مجرد فروة سوداء ستجعل منه أسداً، متناسياً أنه يستحيل على من ولد حماراً أن يصبح أسداً، ويصح فيه قول الشاعر:
الأسد أسد وإن كلّت مخالبه،
والكلب كلب وإن طوقته ذهبا.
والحر حر وإن جار الزمان به
والعبد عبد وإن عليت به الرتب..
خاص --- خاص الثائر ---
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.