تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " د. منصور اشتي "**
نسعى الى كلمةٍ سواء، تؤلّفْ ولا تُباعِد، تفتح آفاقاً لتفكيرٍ وطني، لنقدٍ بنّاء، للحوار والتفاهم. تؤسِّس لنظرة وطنية جديدة ولوعي فكري متسامح.
منذ حوالي العامين ظهرت شمّاعةٌ جديدةٌ لتعليقِ الوقت، وهي ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة وحقل كاريش النفطي.
وهنا، ورغم أهمية الموضوع، يتبادر الى الذهن تساؤل مشروع وموضوعي، وهو هل ان الحل لما يحصل في لبنان من انهيار للمؤسسات الطبية والتعليمية والخدماتية والمالية، وتفكك المجتمع والبنى الثقافية، حلّه في استخراج النفط والغاز؟ ولو افترضنا ان ذلك هو الحل، فكم سيستغرق من الوقت لاستخراجهما؟ وهل لبنان كدولة وشعب قادر على الصمود حتى ذلك الوقت؟ والسؤال الأهم من كل ذلك، هل هذه الطغمة السياسية هي التي ستتولى الإشراف على الاستخراج والاستثمار؟ ومن المؤكد ودون شك سيكون عملها شفافاً وأميناً كما في المراحل السابقة منذ التسعينات وحتى اليوم!!!
الإجابة على هذه التساؤلات بموضوعية وتجرُد تعطينا أسس الحل، ولكن كما هو معلوم وواضح في لبنان فان كل جهة سياسية، وفئة من مجتمعنا المتنوع طائفياً ومذهبياً، له نظرته المرتّكزة على خلفيّته الأيديولوجية والتاريخية، وارتباطاته الخارجية. والتوفيق والتفاهم بين هذه المجموعات المختلفة على بناء الدولة وشكل النظام السياسي والقيَمي، يمكن ان يشكِّل بداية الحل المرتجى.
تعددت خطط الحلول، وكثرت النظريات لمعالجة أزمة فشل الدولة وانهيارها، ويمكن القول ان هناك الكثير من الحلول التي تصلح ان تكون أساساً لحل الأزمة. ولكن يبرز لدينا التساؤل التالي، هل هناك إجماعٌ لبناني ونظرةٌ موحّدةٌ على نهائية الكيان، وعلى نوع النظام السياسي، وعلى علاقة لبنان الخارجية؟ هل نحن متّفقون على نمط العيش إجتماعياً وثقافياً؟ مع العلم اننا عشنا سابقاً بتآلف وتفاهم رائعين، بعيداً عن العصبيات المستجدّة، الطائفية والمذهبية والمناطقية، حتى في أيام الحرب المشؤومة، فعاداتنا وتقاليدنا شرقية واحدة، نعبد إلَهاً واحداً بطقوسٍ مختلفة. أما ما أوصلنا الى هذا الدرك من التعصب والجهل، تسييس الدين، بالمقابل إستغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية، وهذا ما برع فيه غالبية الساسة اللبنانيين، باستثناء عددٍ قليلٍ ممن إمتهن السياسة والشأن العام.
والظاهرة المستجدّة والخطيرة في لبنان، التباعد الثقافي والإجتماعي بين فئات المجتمع، وحتى التناقض في الفكر والعقيدة والمفاهيم، بشكل يخلق نوعاً من الحواجز في العلاقات الإجتماعية والفكرية وليس فقط السياسية.
أما الحلول فيجب ان تبدأ اذا صفت النوايا وعاد البعض الى رشده، وفقاً لأفضليات متدرجة ومدروسة، بحيث يتم البدء بالحلول الآنية من ثم حلول الفترة المتوسطة وبعدها البعيدة، وكاريش يأتي في المرحلة النهائية للحلول. على ان يسبق هذا وجود مسؤولين أكفاء، يتمتعون بالخلفية الوطنية المؤسساتيّة.
تتمثّل بداية الحلول بالإستجابة الأولية للهم المعيشي باتِّخاذ تدابير فورية تخفِّف من غلاء المعيشة عن كاهل الناس، وتعالج الضائقة الإقتصادية، مع معالجة مشكلة الكهرباء وإعادة عمل المصارف الى الوضع الطبيعي، يترافق ذلك وبالتوازي البدء بإصلاح سياسي يخرج لبنان من دوامة أزماته، ويعيد مؤسساته الى الحكم الرشيد، من خلال إلغاء الطائفيّة السياسية وتشريع قانون إنتخابي عصري خارج القيد الطائفي، يليه إصلاح القضاء بسنّْ قانون إستقلالية القضاء، من ثم الإصلاح الإداري، والنظام الاقتصادي والمالي، لإرساء العدالة الإجتماعيةوالرعاية الصحيّة، وإعادة بناء مواطنة حقيقيّة، إضافةً الى دعم التعليم الرسمي وخاصة الجامعة اللبنانية، والعمل باللامركزية الإدارية، لتنمية الريف وتخفيف الاكتضاض السكاني في المدن وضواحيها.
وإنّي على ثقة بان النهوض من الأزمة لن يطول في حال اتفق اللبنانيون على تغليب مصلحة الوطن على مصالحهم الضيقة، ومنعوا كافة التدخلات الأجنبية، شرقاً وغرباً، بعد ذلك تأتي الإستفادة من مواردنا الطبيعية، لان من دون القيام بالإصلاح الصحيح سيتم هدر وسرقة آخر أمل في بناء الدولة وآخر ثرواتنا، فلا كاريش سينقذنا حالياً ولا غيره.
فهل تصدق النوايا، وننجح في تغيير الذهنية الطائفية والنفعية السائدة؟
وهل سيقتنع البعض بان الرهانات الخاطئة مآلها الفشل، كما فشلت سابقاتها؟
في نهاية المطاف مهما حصل، ومهما تعددت السياسات التقسيميّة ومشاريع الهيمنة والاستفراد بالحكم، فقدرنا الوحدة الوطنية، لا بل هي خيارنا النهائي، وعدا عن ذلك سيكون بداية لحروب لن تنتهي. فحبذا لو نتعض من الماضي ونبدأ بالاصلاح دون تضييع ما تبقّى من وقتٍ وفُرَص.
**عقيد ركن متقاعد
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.