تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
أشارت "الراي" الكويتية، الى ان التصدّعاتُ في الواقع الحكومي في لبنان تزداد، بفعل طغيان طبول «المعارك» التي يخوضها بعضُ مكوّناتها بحساباتِ الانتخابات النيابية والرئاسية، ويَمْضي فيها بعضُها الآخَر وفق المقتضياتِ الإقليمية التي استرهنت «بلاد الأرز» منذ 2005 خصوصاً وحوّلتْها أشبه بـ... غزة ثانية.
ولم يَعُد خافياً أن سلْخَ لبنان عن علاقاته العربية والخليجية خصوصاً واندثار مقوّمات الدولة و«تجيير» الإمرة، ولو من باب «العجز»، في العناوين الكبرى السياسية كما قرار الحرب والسلم إلى فريقٍ (حزب الله) والذي يشكّل «بيتَ القصيد» في الانهيار الشامل الذي بلغه الوطن الصغير، بات يطغى عليه «دخانُ» التطاحن الداخلي حول ملفاتٍ، تُعتبر على أهميّتها، من «قشور» الأزمة بمرتكزاتها الحقيقية، وصارت مسارح لأكثر من «حرب داحس والغبراء» بدتْ معها الأرض وكأنها تهتزّ تحت أقدام حكومةٍ ليست فقط غير قادرة على فكّ العزلة التي اقتيدت إليها بيروت بل يشتدّ حول عنقها حبلُ منازلاتٍ أقرب للأسلحة «متعددة الرؤوس» التي يُخشى أن تجرّ إلى صِداماتٍ متعدّدة البُعد.
وبينما كتمتْ السلطاتُ اللبنانيةُ صوتَها بإزاء إعلان الأمين العام لـ « حزب الله » السيد حسن نصرالله دخول حزبه مجال «الصناعة العسكرية» بتطوير صواريخ دقيقة انطلاقاً من صواريخ يملكها وصنع مسيَّراتٍ عارِضاً بيعها لمَن يريد، من دون أن تُعرف خفايا هذا الإعلان (رغم أنه كان موجّهاً لإسرائيل) ومدى ارتباطه في جانبٍ منه بما بعد أي اتفاق نووي مع إيران، فإن هذا التطوّر البارز كرّس وفق أوساط واسعة الاطلاع تَحَلُّل الدولة وتَحوُّلها «ملحقةً» بخياراتٍ استراتيجية يرسمها طرف فيها وتُجرّ إليها، من بوابة تداعياتها التي لا تميّز بين الدولة والحزب، على طريقة «القاطرة والمقطورة».
ولم يكن ممكناً أن يأتي هذا الإعلان بتوقيت أسوأ على لبنان الرسمي الذي لم «يفلت» بعد من تداعياتِ «الديبلوماسية المتلوّنة» التي اعتمدها بإزاء المبادرة الخليجية لحل الأزمة معه والتي يشكل حجر الزاوية فيها معالجة سلاح «حزب الله» وفق منطوق القرارات الدولية وأبرزها الـ 1559 (نزع سلاح الميليشيات اللبنانية) بوصف ذلك «الباب العمليّ» لوقف تهديده أمن دول الخليج واستقرارها وانغماسه في ساحات الإقليم ولترجمة النأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة، وسط اعتبار أن نصر الله وبعدما كان ردّ على المبادرة برفضٍ فنّده في إطلالته السابقة أكمل (أول من أمس) إحراج بيروت عبر الإيحاء بأن مسألة سلاحه خارج أي بحث.
وما يزيد من سوريالية المشهد اللبناني، أنه في الوقت الذي يجاهر «حزب الله» بتمدُّده العسكري من «فوق رأس الدولة»، تخوض «الدولة» نفسها حروباً ضد أجهزتها الرسمية ومؤسساتها الشرعية، وفق ما عبّر عنه تشظي قضية ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومحاولة القاضية غادة عون تنفيذ مذكرة الإحضار بحقه عبر جلْبه من منزله، في اتجاه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي بات مدعى عليه (من عون) بجرم عرقلة تنفيذ أمر قضائي والحؤول دون اقتياد وحدةٍ من «أمن الدولة» سلامة مخفوراً.
ولا تقتصر قضية عثمان ومن خلفها ملف سلامة على هذا البُعد، حيث إنّ الأصوات التي علت في الساعات الماضية، ولا سيما من «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري ) و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي بإزاء ملاحقة عثمان، تُنْذِرُ بارتداداتٍ خطيرة.
وعلى وقع تقارير تحدثت عن أن في جعبة القاضية عون، استدعاءات جديدة لأصحاب مصارف ورؤساء مجالس إدارتها ومديريها العامين للتحقيق معهم بتهم مالية، فإنّ هذا الواقع المتفجّر بدأ يضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي غادر أمس للمشاركة في «مؤتمر ميونيخ للأمن» (واستقبل السفيرة الأميركية دوروثي شيا)، أمام تحديات كبرى في ضوء أمرين:
الأول عدم القدرة على تغطية التعرض للواء عثمان و«رفع الغطاء» عن سلامة في التوقيت والسياق الذي يريده فريق عون لاعتباراتٍ يرى خصومه أنها تتصل بتقوية شعبيته عشية انتخابات مايو، ولا سيما في ظلّ «الخط الأحمر» الذي رفعه «المستقبل» حول عثمان.
والثاني عدم رغبة ميقاتي في ترْك الحكومة تتلقى تشظيات هذا الملف، وهي التي بالكاد «تنجو» من لغمٍ حتى تصطدم بآخر في الطريق إلى محاولة التقاط أول طرف خيط الإنقاذ من الانهيار على متن اتفاقٍ مازال بعيد المنال مع صندوق النقد الدولي.
ولعلّ أخطر الارتدادات التي يخشاها كثيرون للمناخاتِ المشحونة ربْطاً بالتحريك السياسي لجبهة سلامة - عثمان، تتمثّل في إمكان تَفَلُّتها من الضوابط التي حكمت حتى الساعة الوضع، الذي لم يسقط بعد في الفوضى الشاملة، وسط توقُّف الأوساط المطلعة عند معاني الإشكال الكبير الذي وقع الأربعاء، أمام جامعة LAU في بيروت بين طلبة من «حزب الله» وآخرين من «تيار المستقبل» على خلفية محاولة رفْع صور لقادة من الحزب، وسط معلومات تحدثت عن سقوط جرحى. علماً أن تداعيات الإشكال لم تنته أمس حيث سُجل توتر في محيط الجامعة عمل الجيش على ضبْطه.
وفيما كان ميقاتي أبلغ إلى رئيسة «كتلة المستقبل» النائبة بهية الحريري التي اتصلت به لبحث الادعاء على عثمان «موقفه الرافض لتصرفات القاضية عون وأن اللواء عثمان قام بكامل واجباته وكان على تنسيق كامل معه ومع وزير الداخلية»، معتبراً «أن هذا الادعاء محض افتراء وأنه سيتابع شخصياً الموضوع مع وزير العدل ومدعي عام التمييز لوقف التمادي بالاعتداء على مؤسسات الدولة وهيبتها وكرامات القيمين عليها»، أطلق الرئيس عون أمس، موقفاً أكد فيه «أن إصراره على الوصول في التدقيق الجنائي المالي إلى نتائج عملية، لا ينطلق من اعتبارات شخصية وحسابات ضيقة كما يروّج المتضررون من هذا التدقيق»، معلناً «من حق اللبنانيين أن يعرفوا أين ذهبت أموالهم وتعبهم وجني العمر، وكل ما يقال غير ذلك يصدر عن جهات وأحزاب استفادت من الممارسات الخاطئة في إدارة شؤون الدولة ومؤسساتها، لا سيما مصرف لبنان».
وأكد عون «ليس غريباً أن تنتفض هذه الجهات وتلك الأحزاب في وجه رئيس الجمهورية وتشن الحملات المبرمجة ضده، مستعملة كل الوسائل الخاصة أمامها، خصوصاً وسائل الإعلام، للمضي في تضليل الرأي العام».