تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
حسن عليق - الأخبار -
يبدو رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي ، غير مستعجل عودة مجلس الوزراء للانعقاد. أغلب القضايا الواردة على جدول الأعمال بلا معنى، كنقل الاعتمادات. أما الشغل الجدي في نظره، فهو السعي لإعادة الكهرباء، وإعداد خطّة إنقاذ مالي، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. كل ذلك يمكن القيام به، أو على الأقل، التحضير له، خارج مجلس الوزراء.
لا يقول ميقاتي إنه لا يريد للحكومة أن تعود إلى طاولتها، سواء في قصر بعبدا، حيث رئيس الجمهورية ميشال عون يبدي الكثير من الودّ تجاهه، أو في السرايا التي يهجرها رئيسها يومياً بسبب نفاد المازوت من المولدات.
الكهرباء شغله الشاغل، لكنه يبدو متمسكاً بمشروعين لا ثالث لهما:
ــــ الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة؛
ــــ واقتراح المصرفيّة كارول عياط.
المشروع الأول يسير على قدمٍ وساق. القاهرة لم تحصل على إعفاء من عقوبات «قانون قيصر» الأميركي على سوريا، لكنها نالت من واشنطن «رسالة تطمين» تسمح لها ببدء ضخ الغاز إلى لبنان، بعد انتهاء عمليات الصيانة اللازمة في لبنان وسوريا. ومن المتوقع أن يُنجز هذا الأمر، بحسب رئاسة الحكومة، في غضون شهرين على الأكثر (ربما يمكن بدء التنفيذ قبل نهاية العام الجاري). أما الأردن، فلم يحصل بعد على «إعفاء أميركي» من العقوبات، لكي يبدأ بنقل التيار الكهربائي إلى لبنان عبر سوريا، فضلاً عن مشكلات تقنية لا تزال بحاجة إلى حلول.
المشروع الثاني قوامه اقتراح المصرفية المختصة في تمويل قطاعات الطاقة، كارول عياط، والذي تبنّاه رئيس الحكومة بعد إدخال تعديلات عليه. هذا الاقتراح ينصّ على تمليك مودعين من المحجوزة أموالهم في المصارف، شركةً تقيم معملَين لإنتاج الكهرباء. اقترحت عياط تحويل 4.8 مليارات دولار محتجزة (لولار) إلى 1.6 مليار دولار من الأموال الموجودة في مصرف لبنان كتوظيفات إلزامية (ما يُسمّى «احتياطي إلزامي»)، لإنشاء الشركة التي ستبيع الكهرباء إلى مؤسسة كهرباء لبنان، لمدة قد تصل إلى 20 عاماً، على أن تعود ملكية الشركة وممتلكاتها (معملَي الإنتاج) إلى الدولة بعد تلك المدة. وعلى مدى السنوات العشرين، سيتقاضى المودعون ــــ المساهمون أرباحاً تتيح لهم استعادة أموالهم المحتجزة في المصارف.
يرى معدّو الاقتراح وداعموه أنه يحلّ أزمة الكهرباء، كما يحلّ أزمة المودعين. يرفض ميقاتي القول إن خطة عياط ليست سوى حل لأزمة كبار المودعين، لافتاً إلى أنّ الاقتراح ينصّ على عدم مشاركة سياسيّين أو مساهمين في المصارف في المشروع، وأنّ النسبة الأكبر من الأسهم التي سيحقّ لأيّ مودع تملّكها هي 3 في المئة فقط. في عملية حسابية بسيطة، يمكن 34 مودعاً الاستحواذ على كامل المشروع. لا يكترث ميقاتي لذلك، إذ يؤكد أن «كل همّه» هو حل أزمة الكهرباء، و«سيكون الاكتتاب مفتوحاً لجميع المودعين. ولا يوجد حل آخر، لا أحد يقبل بإقراضنا، وكل المؤسسات الدولية وافقت على المشروع». لماذا لا تستدين الدولة من مصرف لبنان وتبني معامل للكهرباء، وخاصة أنها تريد مضاعفة أسعار الطاقة للمستهلكين، أو أن تستخدم مبلغ مليار و100 مليون دولار الذي حصلت عليه ضمن حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي؟ «لا يمكننا استخدام أموال الاحتياط الإلزامي إلا إذا انخفضت الودائع، وهذه الطريقة هي الأفضل لخفض الودائع واستخدام الاحتياطي، ويكون الجزء الأكبر من الأرباح للمودعين، على أن تعود الملكية في النهاية إلى الدولة». وماذا عن حقوق السحب الخاصة؟ «لا أريد أن يُقال إني ساهمت في تبديدها، فيما البلد بحاجة إلى كل دولار احتياط ولو كوسادة نضع عليها رأسنا. لكن ربما سنستخدم جزءاً من المبلغ للاستثمار في إنتاج الكهرباء، لأننا بحاجة إلى نحو مليارَي دولار لنتمكّن من إنتاج كامل حاجتنا وقت الذروة».
إلى جانب كبار المودعين، سيخفف هذا المشروع الضغوط عن المصارف التي أعلنت قبل أسابيع خطتها لإنقاذ نفسها على حساب المجتمع. لا يرى ميقاتي أن البنوك اللبنانية قابلة للإصلاح، «هي بحاجة إلى إعادة بناء». فبحسب الأرقام الموجودة بين يديه، ربما أربعة أو خمسة مصارف ستتمكّن من النجاة من الانهيار. خطة المصارف، إضافة إلى خطة شركة لازار (مستشار الدولة) المعدّلة، كما خطة مصرف لبنان والورقة التي أعدّها فريق عمل ميقاتي، سيحيلها رئيس الحكومة جميعها على فريق عمل آخر، يرفض الكشف عن أعضائه، من أجل الخروج بخطة تعافٍ جديدة، ستُعرض بطبيعة الحال على صندوق النقد الدولي. وفي نظر نائب طرابلس، المسؤولية تتوزع على أربعة أطراف: الدولة، مصرف لبنان، المصارف، والمودعون. لكن، في شتى الحالات، الفئة الأخيرة «غير مسؤولة أبداً عن الانهيار. الناس وضعوا أموالهم في المصارف، والمصارف وضعت الأموال في مصرف لبنان وحققت الأرباح، ومصرف لبنان أغراها لتفعل ذلك، وثبّت سعر الصرف الذي طالبت به الحكومات المتعاقبة، وموّل الدولة». خطة لازار التي سبق أن اعتمدتها حكومة الرئيس حسان دياب، يرى ميقاتي وجوب تعديلها، «إذ كيف يمكن مستشار الدولة أن يعدّ لها خطة من دون الحديث مع مصرف لبنان والمصارف؟». ولأجل ذلك، «جرى تواصل بين لازار ومصرف لبنان الذي زوّدها بالأرقام التي تحتاج إليها، فضلاً عن لقاءات بين الشركة وجمعية المصارف».
رئيس الحكومة (للمرة الثالثة) يحمّل المسؤولية الأكبر عن الانهيار للدولة «التي لم تقم بأي إصلاحات»، وتمسّكت بسياسة تثبيت سعر صرف الليرة. إلا أنه لا يعفي حاكم مصرف لبنان من مسؤولياته عن الانهيار أيضاً، لكن «قانون النقد والتسليف لا يتيح للحكومة إقالته، إلا في حال صدر بحقه قرار قضائي يشتبه في ارتكابه جرماً، أو... إذا قرر الاستقالة بنفسه». حتى ذلك الحين، لن يتمكّن سلامة من تحسين سعر صرف الليرة مقابل الدولار، بخلاف ما قيل عن وعد قطعه لرئيس الحكومة بأن يبقى الدولار تحت سقف 12 ألف ليرة.
لا يبدو أن على جدول أعمال رئيس الحكومة، قبل إجراء الانتخابات، سوى مشروع الكهرباء ووضع خطة للإنقاذ والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. المفاوضات مع الأخير لن تنتج اتفاقاً على برنامج، بل اتفاقاً أولياً يبدو أقرب إلى إعلان نوايا. وبموازاة ذلك، ستعمل الحكومة على زيادة الأجور: في القطاع الخاص، لا يمكن أن تقلّ الزيادة عن مليونَي ليرة، على ألا تزيد على أربعة ملايين ليرة (أقل من 200 دولار). أما في القطاع العام، فستُقدّم «منحة شهرية» للموظفين، بناءً على الأرقام التي تعدها وزارة المال. في المقابل، سيرتفع الدولار الجمركي، «الذي يجب أن يكون مساوياً لسعر صرف منصة صيرفة». لكن يمكن البدء بزيادته إلى 10 آلاف ليرة. أما البطاقة التمويلية، فلن يبدأ العمل بها من دون تمويل!
وإضافة إلى الانهيار الذي لا تريد الحكومة مواجهته إلا بالحدّ الأدنى، ثمة ثلاث مسائل عالقة أمام «الدولة»:
ــــ مسألة التحقيق في انفجار المرفأ التي يقول ميقاتي خلف الأبواب المغلقة ما يقوله بشأنها علناً، لجهة رفضه التدخل في عمل القضاء. الجديد هو مطالبته التفتيش القضائي باستدعاء كل القضاة المعنيين ومساءلتهم لتحديد من خالف القانون منهم، واتخاذ إجراءات بحقه.
ــــ ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، التي وضع ميقاتي سقفاً لها هو الخط 23، مؤكداً أنه لن يوقّع على أي قرار يتنازل عن حق لبنان في مساحة 860 كيلومتراً مربعاً.
ــــ الأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان على خلفية تصريحات الوزير جورج قرداحي. في هذه القضية، ميقاتي يشجّع قرداحي على الاستقالة، وخاصة بعدما تبلّغ من دول عربية وغربية (الولايات المتحدة تحديداً) أن أي مسعى لحل الأزمة مع الرياض مشروط مسبقاً باستقالة قرداحي.
الحكومة لا تبدو أنها ستواجه الانهيار إلى درجة دخول مرحلة التعافي. أقصى الآمال التي يضعها رئيسها لها تتمثّل في أن يكفّ البلد عن السقوط، ويستقرّ في القاع، تمهيداً للإقلاع... بعد سنوات!