تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
-" اكرم كمال سريوي "
عندما يُطل وئام وهاب على شاشة التلفزيون، يعني أنه تبرّع بإيصال رسالة ما، أو طُلب منه ذلك. ولهذا السبب بات الكثيرون يترقبون إطلالته. والحقيقة تُقال أن الرجل يُجيد السوبر show الإعلامي، وله عدد لا بأس به من المتابعين، ولو أنه يقترب في توقعاته أحياناً من ليلى عبد اللطيف، لكن الرجل يفضح بعض ما وصل إلى مسامعه دون وجل، ويُقدّم «ما يطلبه المستمعون» .
في خضم معركة الحريري مع الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ، وبعد أن لاحت فُسحة أمل بتشكيل الحكومة، خاصة بعد جرعة الدعم التي قدّمها السيد حسن نصرالله، بتفويضه رئيس مجلس النواب نبيه بري تولي مسعى حل العقد الحكومية، أطل وهاب على شاشة تلفزيون الجديد مع نانسي السبع في برنامج «عالحرف»، مطلقاً النار في الهواء فوق رأس الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، معتبراً أن الحريري لا يمكنه تشكيل حكومة، لأن السعودية غير راغبة به، وعليه عشرة آلاف دعوى هناك، وأنه لا يمكن لسنّي في لبنان تشكيل حكومة إذا لم تكن راضية عنه السعودية، وأكثر من ذلك قال وهاب: أنه يتوقع أن الحريري سيعتذر عن تشكيل الحكومة، وأن الرئيس عون لن يترك المهل مفتوحة، كما شن وهاب هجوماً على الرئيس نبيه بري، وتوقع أن لا يكون رئيساً للمجلس النيابي المقبل، مضيفاً أن حزب الله سيقود تسوية بين جبران باسيل وسليمان فرنجية الذي سيصبح رئيساً للجمهورية بعد ميشال عون.
لماذا قال وهاب ذلك ؟؟؟
للوهلة الأولى يبدو هذا الكلام بعكس رغبة حزب الله ، ويتماهى مع رغبة رئيس الجمهورية وفريقه السياسي. لكن وهاب يعرف حدوده جيداً ،ولو سمح لنفسه بالقفز فوقها أحياناً من باب التشويق الدعائي ومستلزمات المسرح الإعلامي، لكنه يعود مسرعاً إلى الإحتماء بعباءة سيد المقاومة، حتى من أقرب المقربين، من حلفاء ومسؤولين في الحزب وخارجه، ومن غضب الجمهور أيضاً.
يعلم وهاب طبعاً أن الرئيس بري جدّي في المسعى الحكومي، وأن سعد الحريري لن يعتذر، ولو أراد ذلك لفعله في جلسة مجلس النواب خلال مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، وأنه إذا اعتذر الآن سيخسر كل ما كسبه داخل طائفته في منازلته الأخيرة مع عون في المجلس النيابي، ولذا فإن الحريري لن يُقدم على الاعتذار، إِلَّا بعد فشل كل مساعي التسوية، فهو لن يجازف بخسارة حلفه مع رئيس المجلس النيابي، ولن يعتذر قبل أن يتم حسم موضوع الانتخابات النيابية أيضاً، وهذا الأمر لن يُحسم قبل شهر أيلول المقبل، وعندها يمكن للحريري أن يقلب الطاولة على الجميع، ويُفسح المجال أمام تشكيل حكومة تُشرف على إجراء الانتخابات النيابية ، أما الآن فما زال الوقت مبكراً على ذلك ولا زال الباب مفتوحاً لإيجاد تسوية .
يضع البعض مواقف وهاب في خانة اللعب على الخلاف بين سعد الحريري وشقيقه بهاء، الذي تربطه به علاقة جيدة، وكان وهاب قد غازله أكثر من مرة، رغم أن بهاء معروف بمواقفه الصلبة من حزب الله وسلاح المقاومة، مما يجعل حظوظه برئاسة الحكومة شبه معدومة.
فيما يرى آخرون أن وهاب يوصل رسالة إلى الرئيس المكلف، بأن دعم حزب الله ليس مفتوحاً، وأن على الحريري حسم خياراته والسير في التسوية التي يعمل عليها الرئيس بري، مع مساعديه علي حسن خليل، والمسؤول في حزب الله الحاج وفيق صفا .وتقول التسريبات أنه بالرغم من الإشارة السلبية التي بعثتها مسودة التشكيلة الحكومية التي أرسلها رئيس الجمهورية إلى البطريرك الراعي لحشر الحريري، وهو كان يعلم طبعاً أن الحريري سيرفض الأمر ولو بالشكل، فالحريري لا يمكنه التسليم بأن يتولى رئيس الجمهورية توزيع الحصص والحقائب في الحكومة، وبالتالي يتخلى بذلك الرئيس المكلف عن صلاحياته.
ورئيس الجمهورية يعلم أيضاً أنه استنفد كافة وسائل عزل الرئيس المكلف ودفعه إلى الاعتذار، وبات موقفه أضعف من السابق، خاصة بعد جرعة الدعم الشيعية التي لقيها الحريري ، إضافة إلى اتصاله برئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ، والذي أعاد الحرارة إلى علاقتهما. فحاول الرئيس عون استمالة البطريرك الراعي وسحب غطائه لتكليف الحريري، لكن الأمر لم ينجح.
لقد باتت الأمور في المنطقة واضحة، فلقد تم انتخاب الرئيس بشار الاسد لولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات، ومفاوضات النووي الإيراني باتت جاهزة، وإن تم تأجيل التوقيع إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وفي فلسطين هناك مسار تهدئة، تولت مصر إخراجه أمنياً، بانتظار أن تبدأ إدارة الرئيس بايدن صياغة مسودة اتفاق جديد للسلام .
في لبنان أيضاً الأمور محسومة، فأي حكومة قادمة ستكون مدتها بالأشهر، وهي لن تكون قادرة على اجتراح المعجزات، فقط مهمتها وقف التدهور الاقتصادي، ومنع البلاد من الانزلاق إلى الفوضى المرفوضة من الجميع في الخارج. وزيارة قائد الجيش إلى فرنسا واستقباله من قبل الرئيس ماكرون، تؤكد هذا الموضوع. وكانت السفيرة الأمريكية جالت الأسبوع الماضي على الرؤساء، وطالبت بتشكيل سريع للحكومة، وأعلنت عن مساعدات عاجلة للجيش اللبناني.
صحيح أن العالم ليس مشغولاً بلبنان، لكن وبعكس ما يعتقد البعض، فالبلد ليس متروكاً كلياً لمصيره الأسود، وهناك تفاهمات في المنطقة: على خط واشنطن وموسكو وسيلتقي الرئيسان بوتين وبايدن في السادس عشر من حزيران المقبل، وكذلك الاتصالات جارية على خط الرياض طهران ودمشق، وعلى اللبنانيين أن يسيروا في هذا الاتجاه، والاستعداد للتغييرات القادمة، في الداخل وعلى مستوى العلاقات في المنطقة، فلا وقت للمغامرات الآن ولن يُسمح بدفع الأمور عن الحافة إلى الهاوية، فمرحلة انطلاق المشاريع الاقتصادية ستبدأ قريباً، من العراق إلى سوريا واليمن، وصولاً إلى لبنان، وإسرائيل تنتظر أن تقطف عملياً نتائج اتفاقات التطبيع مع الدول العربية، هذا التطبيع الذي ستتسع دائرته قريباً لتشمل عدة دول أُخرى، وكل ذلك يتطلب التهدئة في لبنان.