تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
موريس متى -
أحال وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني مشروع الموازنة العامة لعام 2021 على رئاسة مجلس الوزراء مرفقاً بتقرير مفصّل عن الأسس المعتمدة في إعداد المشروع وأبرز المتغيرات بين قانون موازنة 2020 ومشروع موازنة 2021، فيما تقترب البلاد من بدء الشهر الثاني من العام في ظل غياب للموازنة، لترتفع المخاوف من دخول البلاد نفق فوضى الانفاق المالي.
ينص قانون المحاسبة العمومية على أن تقوم مديرية الموازنة ومراقبة النفقات في وزارة المال بإنجاز دراسة موازنات الوزارات التي ترد الى الوزارة حتى مهلة أقصاها 31 تموز من كل عام، لتبدأ الوزارة في ما بعد وخلال شهر آب عملية توحيد الموازنات وتحضير مشروع الموازنة العامة ليتم في ما بعد إحالته على رئاسة مجلس الوزراء وطرحه على الحكومة للدرس والتعديل والمصادقة ومن ثم الاحالة على مجلس النواب في مهلة قصوى مطلع تشرين الأول. وفي المجلس تخصص اللجان النيابية المختصة وعلى رأسها لجنة المال والموازنة سلسلة اجتماعات لدرس مشروع الموازنة وإدخال التعديلات عليه ليتم إقراره وإحالته على الهيئة العامة للبحث والتعديل والاقرار النهائي، ليتحول الى قانون نافذ.
التأخير الحاصل في عملية إقرار موازنة العام 2021 يهدد بالعودة إلى الإنفاق العام وفق القاعدة الاثني عشرية خارج الموازنة، وهذه مرحلة شبيهة بما عاشه لبنان ما بين العام 2006 والعام 2017 من فوضى مالية في غياب الموازنات، لتعود الامور وتستقيم في العام 2018 عند اقرار اول موازنة بعد 11 عاما. أما القاعدة الاثنا عشرية فتعتبر من الاسباب الاساسية لكل الفوضى واللاإنتظام المالي في لبنان، فيما يعدّ الانفاق على اساس هذه القاعدة لأكثر من شهر واحد مخالفة، وتترتب على اعتماد هذه الآلية في الانفاق مخاطر اقتصادية ومالية إضافية. ويجيز القانون للحكومة الإنفاق وفق هذه القاعدة حتى نهاية كانون الثاني من كل عام حداً اقصى. وهذه المهلة الاضافية تُمنح للمجلس النيابي لمناقشة الموازنة وإقرارها، ولكن هذا العام يبدو ان الامور ستطول أكثر فيما المخاوف من العودة الى مرحلة ما قبل العام 2018 تتصدر المشهد. أما وزارة المال فتبرر التأخير الذي حصل في عملية إحالة مشروع الموازنة على الحكومة بتبعات إنفجار مرفأ بيروت وفيروس كورونا وما ترافق معه من سلسلة الاغلاقات لاحتواء الوباء، الامر الذي حدَّ من حضور الموظفين إلى الوزارة.
وتعتبر الموازنة اساساً وفي صلب الخطوات الاصلاحية التي يطالب بها المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي شرط ان تتضمن الاصلاحات المالية والهيكلية المطلوبة، ما يعتبر حجر زاوية في اي برنامج تمويلي او مساعدة خارجية قد يحصل عليها لبنان. ولا بد من التذكير بان المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش كان قد أصر في العديد من الاجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين على ضرورة جعل موازنة 2021 أكثر واقعية نظراً الى التطورات الشائكة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً في لبنان، مع ضرورة أن تركّز الموازنة خصوصا على الحاجات والحماية الاجتماعية للمواطنين.
تتجه الانظار الى مشروع موازنة 2021 التي قدمها الوزير وزني، وبحسب المعلومات أصرت وزارة المال على ان تكون هذه الموازنة "إجتماعية" من دون ضرائب جديدة، مع ضرورة التوصل الى خطة للتصحيح المالي على المدى المتوسط، ويمكن اعتمادها لإعادة إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وسعى فريق عمل الوزارة الذي عمل على المشروع لوضع الاساس المناسب لتصفير العجز للعام 2021 مع الاخذ في الاعتبار سلسلة تطورات قد تخدم تحقيق هذا الهدف وعلى رأسها تعثّر لبنان في سداد ديونه الخارجية بالعملات الاجنبية. فبالنظر الى موازنات الاعوام السابقة، تشير الموازنات الاولية الى نسبة طفيفة من العجز، لتعود هذه النسبة للإرتفاع مع إضافة كلفة خدمة الدين. ولكن، من العوائق الاساسية التي تقف في وجه تحقيق هذا "التصفير" النزف المستمر في الايرادات العامة والذي يتوقع ان يستمر في العام 2021. فهذا العام لن يكون أفضل من العام 2020 حين تراجعت الايرادات بأكثر من 28% بالمقارنة مع ما تحقق في العام 2019. وعلمت "النهار" ان المقاربة التي اعتُمدت خلال وضع مشروع الموازنة تأخذ في الاعتبار ضرورة تأمين المزيد من الواردات عبر إعادة النظر في بعض القوانين المحاسبية للضرائب والرسوم، دون فرض المزيد منها، وتعود لتذكّر بالقرارين الاخيرين لوزير المال 893 و114 حول آلية تسجيل العمليات وفقاً للقيمة الفعلية لسعر صرف العملات الأجنبية في السجلات والذي يوجب إصدار الفواتير بالليرة اللبنانية، وهي قرارات تساهم في زيادة ملحوظة بالايرادات خصوصا لناحية الضريبة على القيمة المضافة التي تراجعت إيراداتها بأكثر من 42% في العام 2020.
يلحظ مشروع موازنة العام 2021 أيضا التوصيات التي وضعتها المؤسسات الدولية وتحديدا صندوق النقد الدولي، خصوصا لناحية ما يتعلق بإقرار قانون "الكابيتال كونترول" وإصلاح قطاع الكهرباء، وإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وكل المؤسسات العامة والصناديق والمجالس، مرورا بإعادة هيكلة القطاع العام والعمل على التوصل الى اتفاق مع دائني لبنان والانتهاء من وضع خطة شاملة لإعادة هيكلة الدين.
في هذا السياق، شدد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبرهيم كنعان على ضرورة ان تجتمع الحكومة استثنائيا لاحالة مشروع موازنة 2021 على مجلس النواب بعدما أحالها وزير المال على رئاسة الوزراء في ظل الشلل في مسار التأليف والوضع المالي المتدهور وضرورة اقرار الاصلاحات المالية وضبط الانفاق خارج فوضى "الاثني عشرية"، كما تعزيز اعتمادات وزارة الصحة. كنعان الذي ينتظر ان يجتمع بوزير المال بحلول نهاية الاسبوع الحالي للبحث في مشروع الموازنة، يؤكد لـ "النهار" ان "لا شيء اهم من لبنان وبقائه، وكل الخلافات تبقى دون ذلك. فالمطلوب اليوم الاسراع في إقرار الموازنة التي أصبحت بنودها الاصلاحية معروفة للجميع، ولا حجة للتأخير في إقرار الموازنة في حين ان ما ستتضمنه يلحظ ما ورد من إصلاحات في المبادرة الفرنسية ومؤتمر سيدر ومتطلبات صندوق النقد الدولي، وما من حاجة لإستهلاك وقت كبير لإقرار هذه الموازنة". واعتبر كنعان ان "ما تمر به البلاد يمكن وصفه بقوة قاهرة تتخطى معالجتها كل القوانين، وان اي موازنة سيتم إقرارها للعام 2021 لن تلحظ اي خدمة للدين نتيجة توقف لبنان عن سداد ديونه، ولا نفقات إستثمارية بل نفقات لتغطية الرواتب والاجور وبعض النفقات التشغيلية"، مشددا على "أهمية عدم الوقوع في فوضى الانفاق على القاعدة الاثني عشرية"، ومتعهداً ان تنتهي لجنة المال والموازنة من درس وإقرار مشروع الموازنة خلال 15 يوما بالحد الاقصى من تاريخ تسلمها. وختم بمطالبة الجميع "باعتبار ما يحصل ضغطا إيجابيا يجب ان يحفز على الاستنفار لوضع حد للنزف الحاصل".
وثمة معضلة أخرى تواجه عملية إقرار موازنة 2021 وهي "دستورية" حيث الخلاف يعود الى الواجهة مجددا حول دستورية انعقاد الحكومة في حالة تصريف الأعمال وإمكان إقرارها للموازنة. وفي هذا السياق يقول الاستاذ في القانون الدولي المحامي الدكتور انطوان صفير ان الحكومة في وضعها الحالي، اي تصريف الاعمال، "لا يمكنها من حيث المبدأ الاجتماع بإعتبار ان الثقة التي اعطاها إياها مجلس النواب اصبحت منتهية الصلاحية بحكم ان الحكومة اصبحت مستقيلة، وبالتالي فان مجلس النواب لا يمكنه بعد ذلك ان يراقب عمل هذه الحكومة او ان ينزع عنها الثقة، ولا يمكن الحكومة ان تجتمع وتتخذ قرارات في وضعها الحالي، هذا في المبدأ". أما لناحية إقرار الموازنة، فيعتبر صفير ان الموازنة "ليست قانونا عاديا او ليست عملا إداريا يصدر عن الحكومة كالتعيينات او القرارات الادارية (...) فالوضع أكبر من ذلك ويتعلق بمسار إنتظام العمل في البلاد، وبالتالي من الواجب الدستوري على الحكومة الاجتماع لإقرار قانون الموازنة لكون هذه الخطوة تعتبر من الضرورات القصوى، ولا يمكن إقرار مرسوم الموازنة في "المرسوم الجوال" من دون اجتماع مجلس الوزراء". ويؤكد صفير ايضا ان المجلس النيابي، وبحكم الدستور، هو في حالة انعقاد استثنائية ضمن عقد استثنائي مفتوح حتى تشكيل حكومة جديدة.