تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
بين المنظومة السياسيّة الحاكمة في البلد التي توجّت عرش الفساد بفسادها، والدّماء التي ذرفت في انفجار الرابع من آب، تداعت القوى الدّوليّة لدعم لبنان في مؤتمر دولي عارم. وفي ذلك إشارات لا يمكن التغاضي عنها بعد اليوم. كذلك بدا لافتًا الحديث الجدّي الذي تسرّب من أروقة الأمم المتحدة مفاده أن جلسة مجلس الأمن المخصصة لتجديد قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان، والتي ستنعقد في 28 آب الجاري، سوف تعلن عن قرار عدم التجديد لقوات الطوارئ الدولية.
من المؤكّد أنّ ما بعد الرابع من آب لن يكون كالذي قبله. لبنان قادم على تغيّرات جذريّة في تموضعاته السياسيّة. وذلك من خلال العمل على إقناع حزب الله دوليًّا بالانخراط في صلب الدّولة سياسيًّا وتفكيك منظومته المسلّحة. ومن البديهي أنّ هذا الموقف قد رفض، لذلك تصاعدت حدّة التصريحات الدّوليّة لتنفي إمكانيّة حدوث أيّ تسوية مع الحزب على حساب لبنان.
من هنا، سيكون لبنان كلّه وسط مواجهة بين المجتمع الدّولي والحزب. والأكيد في ذلك أنّ الحزب سيلعب أوراقه كلّها بدءًا بالأوراق الدستوريّة في تركيبة الدّولة، ووصولا حتّى الأوراق الأمنيّة التي يمسك بها بقضته الحديديّة منذ 7 أيّار 2008 وحتّى اليوم. وفي قراءة بسيطة لعمليّة عدم التجديد لقوات اليونيفيل في لبنان، يمكن الاستنتاج أنّ المجتمع الدّولي قرّر فتح الحدود اللبنانيّة أمام الاحتمالات كافّة. ولن يكون أيّ شبر من الأراضي اللبنانيّة بمنأى عن تداعيات هذا القرار.
وما هذه الاستقالات التي نشهدها سوى مؤشّر آخر عن عمليّة الهروب قبل العاصفة الكبرى. أمّا المواجهة للانقلاب الدّستوري الذي تقوده السلطة السياسيّة بتوجيه من الحزب فلن يتوقّف إلا باجتثاثه كليًّا من منظومة الدّولة، وليس الحياة السياسيّة. فالدّولة مخطوفة وما بيد الآخرين أيّ حيلة سوى الصمود والمقاومة الدّستوريّة. وأيّ استقالة من دون خطّة سياسيّة تكتيّة واضحة تتوجّه من خلالها القوى المستقيلة إلى اللبنانيين أولا، وإلى المجتمع الدّولي ثانيًا لن تخدم مصلحة التوجّه السيادي بل بالعكس ستزيد من القدرة الدّستوريّة التي يمتلكها حزب الله وأعوانه في صلب الدّولة اللبنانيّة.
من هذا المنطلق، يجب العمل بالتّوازي مع توجّهات المجتمع الدّولي، لا سيّما وأنّ هذه الحكومة باتت بحكم الساقطة، بغضّ النظر عن محاولات الحزب في الحفاظ عليها. لذلك، إن لم يستطع الحزب اجتراح حكومة بديلة، ستكون كلمة الفصل عندها للمجتمع الدّولي الذي كان واضحًا بموقفه من هذه السلطة السياسيّة الفاسدة حيث كثرت تصريحات الدّول في مؤتمر البارحة عن أنّ العزلة الدّوليّة لا زالت قائمة، والمساعدات ستكون بشكل مباشر للشعب وليس للسلطة القائمة. لا سيّما وأنّ السلطة السياسيّة ماضية في مواجهة المجتمع الدّولي بعدما رفض رئيس الجمهوريّة أي لجنة تحقيق دوليّة في انفجار 4 آب.
لذلك، بات واضحًا أنّ الدول العظمى بمجملها موافقة على خطّة تحرير لبنان من هذه السلطة الفاسدة، ومن وهج السلاح غير الشرعي الذي دمّر المؤسسات. والدّول التي لن تعلن موافقتها لن تعترض على الخطّة الدّوليّة. وعلى ما يبدو، نتيجة لذلك كلّه، سيلجأ الحزب وحلفائه إلى تشكيل حكومة الحدّ الأدنى من الرّضى الدّولي حتى لو اضطر إلى تسمية الرّئيس سعد الحريري لهذه المهمّة ظنًّا منه بأنّه سيكون رئيسًا مقيّدًا.
ومن الجهة المقابلة، برزت فذ هذين اليومين الجولات المكوكيّة بين بيت الوسط ومعراب وكليمنصو لبلورة عمليّة ولادة جبهة لبنانيّة للمعارضة المرتقبة، مع التحفّظ على التوجيهات الاستراتيجيّة لكلّ من سيكون فيها. مع العلم أنّ توجّهًا استرتيجيًّا سياديًا مبني على قاعدة تحرير القرار السياسي الاستراتيجي اللبناني هو الذي سيحكم سياسة هذه الجبهة. فهل ستكون الثورة عنصرًا فاعلا في صلب هذه الجبهة السياسيّة؟ أم ستبقى على حالها تراوح مكانها في عمليّات كرّ وفرّ، من دون الوصول إلى الهدف السياسي المنشود؟