تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ، قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة، في حضور وزيرة العدل ماري كلود نجم .
بعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان "الآن تمجد ابن الإنسان، وتمجد الله فيه" (يو13: 31-32)، وقال فيها: "هذا الكلام قاله الرب يسوع في عشائه الفصحي الأخير مع تلاميذه الإثني عشر، بعد أن خرج يهوذا الاسخريوطي ليسلمه. ففي تلك الليلة من ذاك الخميس المملوء أسرارا، وفيما كان يسوع يصلي في بستان الزيتون ويعرق دما، ويستعد ليشرب كأس آلامه الخلاصية، أقبل يهوذا مع جنود وقبضوا عليه كمجرم، وأسلموه ليحكم عليه بالتعذيب والموت صلبا. فقال يسوع، عند خروج يهوذا: "الآن تمجد ابن الانسان، وتمجد الله فيه، وسيمجده في ذاته" (يو13: 31-32). من هذا المجد الالهي ولدت وصية المسيح الرب لنا: "أترك لكم وصية جديدة: أن تحبوا بعضكم بعضا، كما أنا أحببتكم" (يو 34:13).
أضاف: "يسعدني أن أحتفل مع إخواني السادة المطارنة والأسرة البطريركية في بكركي بهذه الليتورجيا الإلهية، وأنتم ايها المشاهدون تشاركون فيها عبر محطة تيلي لوميار - نورسات ووسائل اتصال اجتماعي. نصلي معا لكي نمجد الله دائما بإتمام إرادته، ونلتزم بعيش وصية المحبة ونشر ثقافتها في كل مكان. وفي مناسبة بداية عيد الفطر السعيد، يطيب لي أن أقدم، بإسم كنيستنا المارونية، خالص التهاني والتمنيات لإخواننا المسلمين في لبنان والعالم العربي وبلدان الانتشار، سائلين الله عز وجل أن يكون العيد موسم خير وبركات وسلام عليهم وعلينا جميعا".
وأردف الراعي: "تمجد الله في يسوع ابنه، المولود منه كشعاع، وغير المخلوق، لأن تصميمه الالهي بفداء الإنسان وخلاص الجنس البشري، قد تحقق بآلامه وموته، وهو بريء من كل خطيئة، مفتديا خطايا البشرية جمعاء، وغاسلا إياها بدمه. ويسوع ابن الانسان تمجد، لأنه تمم مشيئة الآب بطاعته حتى الموت على الصليب. والله مجده إذ أحيا الروح القدس بشريته، وأقامه من الموت. هذا المجد الإلهي يعطى لكل إنسان مؤمن بالله، والذي تترمم فيه صورة الله بنعمة الفداء، على ما قال القديس ايريناوس: "مجد الله الإنسان الحي". ولهذا بات من الواجب علينا جميعا الاهتمام بترقي كل إنسان في جميع أبعاده المادية والروحية والثقافية والأخلاقية، لكي يتجلى فيه مجد الله. من محبة الله الذي جاد بابنه الوحيد، "لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 16:3)، ولدت وصية المحبة الجديدة. هي جديدة، بالنسبة إلى القديمة، لأنها تنبع من موت المسيح وقيامته، ولأن هذه المحبة الموصى بها مسكوبة فينا بالروح القدس. فتكون الوصية أن نتقبل المحبة في قلوبنا، ونجسدها بأعمالنا، وننشرها من حولنا ثقافة".
وتابع: "عندما تصبح المحبة ثقافة شعب، تضحي بالنتيجة حضارة وطن وروحه التي تنعش العلاقات بين أبنائه، وبخاصة بين المسؤولين والشعب. وباتت شريعة الحوار والتوافق طريقا إلى حل المشاكل الطارئة. فلو اعتمدت مثلا هذه الشريعة بين السلطة والمدرسة الخاصة من جهة، قبل إصدار القانون 46/17، وبين هذه وهيئة الأساتذة ولجان الأهل من جهة ثانية، لما وصلت المدارس الخاصة، ولا سيما تلك الكاثوليكية، إلى هاوية الإقفال، مع ما يرتب ذلك من تهديد للمنظومة التربوية في لبنان، وللخسارة المتوقعة في نشر التربية والتعليم حتى في المناطق اللبنانية النائية. إن حضارة المحبة كانت في أساس الكيان اللبناني الذي أرساه المؤسسون على ميثاق العيش معا بالتنوع الديني والثقافي، ضمن وحدة وطنية يشارك في بنائها كل مكونات مجتمعنا. فكان نظامنا السياسي ديموقراطيا منفتحا على جميع الحريات العامة، ملتزما قضايا العدالة والسلام وحقوق الشعوب، كما فعل على الاخص، ولا يزال، لصالح القضية الفلسطينية ومدينة القدس والأماكن المقدسة. فكانت من ركائزه الأساسية صداقات مع الشرق والغرب، من دون أن يسمح لا للشرق ولا للغرب بالهيمنة والسيطرة عليه، وتغيير وجهه وجوهره وخصوصيته التعددية، الحضارية والثقافية والانسانية. هذا ما يجب أن نتمسك به حفاظا على هويتنا، وطيب علاقاتنا مع الدول".
وقال: "لقد اعتدي على لبنان، وعلى شعبه وسلامة أراضيه أكثر من مرة. فكان تحريره من الاحتلال والاعتداءات، بتضامن وقوة أبنائه. فبات علينا واجب الالتزام بتحصين وحدتنا الداخلية، وتحرير لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية، وبتحرير شعبنا من حالة الفقر والعوز والحرمان، وتحرير صيغة وطننا وميثاقه من الولاءات الخارجية، والالتزام بالعودة إلى كنف الشرعية وسلطة الدولة، وتحرير تعدديته من الولاء للطائفة أو المذهب أو الحزب، على حساب الولاء له وحده.
إن الأوضاع الدقيقة في بيئتنا المشرقية لا تسمح لأحد أن يورط لبنان في صراعات خارجية تقضي على سيادته واستقلاله، أو أن يحوله إلى ساحة حرب. وإلا كيف نطرق أبواب العالم، دولا ومؤسسات، طالبين إنقاذ لبنان إقتصاديا وماليا، فيما هو عديم الاستقرار أمنيا وسياسيا وحوكمة وعدالة حرة من أي تدخل سياسي أو لون، ونزيهة، تقضي على الفساد، وتشكل الأساس للحكم بعدل؟. لا يمكن أن نغفل عما يحاك لدول الشرق الاوسط، ومنها لبنان، بالديبلوماسية السرية بين الدول الكبرى، بعد الحروب التي أنهكت دول هذا الشرق فلا يستطيع السياسيون اللبنانيون البقاء أسرى مصالحهم الخاصة ورؤيتهم العتيقة وعداواتهم القديمة والمتجددة. فليدركوا أن الدولة هي وحدها المرتجى، لكونها كيانا تأسيسيا وجامعا. فخارجا عنها ضياع وانهيار. إن ذكرى المئوية الأولى لقيام دولة لبنان تقتضي من الجميع الأمانة لها والالتزام بالمحافظة على هويتها الحضارية ورسالتها النبيلة".
وختم الراعي: "إن حقيقة لبنان بأنه "أكثر من بلد، بل رسالة حرية، ونموذج تعددية للشرق كما للغرب"، كما قال عنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، تكون مجده الذي أنشده أشعيا عند انتصار أورشليم، إذ قال: "مجد لبنان أعطي لك" (أش 2:35). وعند استعادة بهائها وإعادة بناء هيكلها بخشب أرز لبنان، أنشد: "مجد لبنان يأتي إليك" (أش 13:60). نحن نرث هذا المجد، علينا ان نحافظ عليه، فلتكن سيرتنا وأعمالنا الشخصية والجماعية، والتزامنا وصية المحبة الجديدة، أعمال تمجيد للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".