تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
منذ اندلاع الثورة واستقالة حكومة الحريري، دأب حاكم المصرف المركزي على اتخاذ عِدّة خطوات، وأصدر عدداً من التعاميم، قال عنها أنها ستساهم في ضبط الوضع المالي، وتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، الذي ما زال يُتابع صعوده حتى تجاوز 3400 ليرة. وانبرى بالأمس النائب جميل السيد ، ليُبشّر اللبنانيين، بأن الدولار قد يصل إلى 5000 ليرة أو ربما أكثر .
كيف يُمكن لسلامة إصدار تعاميم تخالف قانون النقد والتسليف؟ وأين الحكومة والقضاء من هذه المخالفات التي قام بها بالأتفاق مع أصحاب المصارف؟ هل هناك من يُريد محاسبة دياب وإسقاط حكومته بلعبة الدولار وإحداث ثورة جياع؟ وهل يجوز أن يدفع اللبنانيون في كل مرة ثمن المناكفات السياسية من لُقمة عيشهم؟
بعد التعميم المتعلق بتحرير الودائع التي يتم وضعها بعد تاريخ 17 تشرين لدى البنوك من أية قيود، خاصة عمليات التحويل إلى الخارج، والذي لم يجلب أية وديعة جديدة، كما لم يتمكّن من إعادة ثقة المودعين بالمصارف اللبنانية، جاء التعميم الأخير لحاكم مصرف لبنان ، ليُشكل زلزالاً وضربة قاضية، لأي عملية تحويل للدولار عبر OMT من المغتربين إلى لبنان .
وكذلك التعميم المتعلق بالودائع، التي هي بالدولار لدى البنوك، بحيث يُصار إلى دفعها بالعملة اللبنانية للمودعين، ووفقاً لسقف معيّن، ولسعر صرف السوق، الذي تُرك حرية تحديدهما لكل مصرف على حِدة. مما يعني عملية هيركات مقنّعة، أجازها سلامة للمصارف، لمشاركة المودعين أموالهم، ولكن ليس لصالح خزينة الدولة، بل لصالح المصارف وأصحابها .
يتراوح حجم التحويلات عبر الوكالات المالية في لبنان، من أربعة إلى خمسة مليون دولار يومياً، وفقاً لتقديرات وكلاء ويسترن يونيون. ولقد أصدر رياض سلامة قراراً بتسليم هذه المبالغ إلى أصحابها بالليرة اللبنانية، وفقاً لسعر الصرف لدى الصرافين، وقد غاب عن باله أمران:
الأول - أن سعر الصرف يتحرك يومياً، ولذا فإنّ أصحاب هذه الأموال يُفضّلون الإحتفاظ بها بالدولار. كما أن عملية قبضها من OMT بالليرة وإعادة تحويلها إلى دولار لدى الصرافين، ستُسبب لهم خسائر، بمقدار الفارق بين سعري الشراء والمبيع للدولار، وهي كمية ليست بقليلة بالنسبة لهم .
ولذلك سيجد اللبنانيون طُرق بديلة عن OMT لتحويل الأموال من الخارج، مما سيتسبب بخسائر لهذا القطاع، خاصة أن وكيل OMT في لبنان، فرض منذ مدة رسم 2% على تحويلات الدولار من الخارج إلى لبنان، بحجّة صعوبة الحصول على الدولار في لبنان، وهو رسم نفت شركة ويسترن يونيون الدولية علاقتها به .
ثانياً- سيتسبب تحويل هذه المبالغ الى المصرف المركزي وفقاً للتعميم الحالي، بفقدان الدولار من السوق المحلي، مقابل زيادة في السيولة بالليرة. وهذا سيؤدي حتماً إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، وهبوط قيمة العملة الوطنية، خاصة في ظل الأزمة الأقتصادية التي تفاقمت بعد انتشار وباء الكورونا في لبنان والعالم .
عندما يُسأل رياض سلامة عن مبلغ السبعة مليارات دولار، التي سلّمها للمصارف منذ بدء الأزمة، ووفقاً لسعر الصرف الرسمي المحدد ب 1507 ليرات، يُجيب أنها كانت بهدف تأمين السيولة للمصارف، والحد من إنفلات سعر الصرف. لكن من يستطيع أن يُجيب، أين ذهبت هذه الدولارات؟ وكم هو المبلغ الذي تم تسليمه من المصارف إلى الزبائن والمودعين، في ظل السقوف والقيود التي فرضتها المصارف على السحوبات ؟؟؟
ومن كان يُسلّم الدولارات إلى الصرافين؟ ومن استفاد من فارق السعر، حيث تم شراء الدولار ب 1500 ليرة، ثم بيعه بسعر وصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف ليرة ؟ وأين كانت لجنة الرقابة على المصارف، والمُختصرة حالياً بشخص رياض سلامة؟ ثم لماذا هذا الصمت المريب من الحكومة؟ .
مما لا شك فيه أن تعاميم الحاكم لم تخدم المواطن اللبناني، ولا هي تصبُّ في مصلحته. فهبوط سعر الليرة، والغلاء المستشري، وإجراءات البنوك المتفلّتة من أي رقابة حقيقية فاعلة، وعجز الدولة عن وضع حد لأصحاب المصارف والصرافين ومن يقف خلفهم من سياسيين، كل ذلك يُشير بوضوح إلى الجهة المستفيدة من تعاميم الحاكم، وهي نفس الجهة التي حصلت سابقاً على أرباح، فاقت الخمسة مليارات دولار جراء هندساته المالية الشهيرة .
تجاوز سعر الدولار ما يُمكن أن يحتمله المواطنون، وما زال بعضهم ينتظر الخطة الإقتصادية الموعودة للحكومة، ويأمل بعودة تثبيت سعر الصرف في حدود مقبولة، يستطيعون معها الإستمرار في تأمين لقمة العيش. لكن هل من عاقلٍ يُصدّق أن هذا سيستمر، فيما لو وصل سعر الصرف إلى ما بَشّر به بعض النواب في الأمس؟
إن التعاميم الأخيرة لرياض سلامة ستُشكّل زلزالاً حقيقياً، خاصة أنها جاءت في غياب التنسيق مع الحكومة، وفقاً لما أشار اليه الرئيس دياب في تصريحه أمس. وإذا لم تتمكن الحكومة من إنجاز خطة حقيقية لمعالجة الأزمة، ولجم سلوك المصارف والصرافين، والحد من فوضى الأسعار، وارتفاع سعر الدولار، خلال الأيام القليلة القادمة، ستكون في مواجهة ثورة حقيقية، وغضب عارم، قد يجرف في طريقه كل شيء، وربما هذا ما تُريده وتسعى إليه بعض القوى السياسية المنزعجة من حكومة دياب .