#الثائر
مع عودته إلى البيت الأبيض، ربما تتسارع وتيرة الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، في ولايته الأولى، ضد الصين، ليجد العالم نفسه في مواجهة توترات غير مسبوقة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
تتراوح هذه الحرب بين فرض الرسوم الجمركية والتوترات السياسية، والصراعات حول التكنولوجيا والملكية الفكرية، مما أدى إلى خلق بيئة غير مستقرة تؤثر بشكل كبير على الأسواق العالمية.
في هذا السياق، تعتبر الأسواق الناشئة من أبرز المتضررين؛ ذلك أنها تواجه تحديات مضاعفة جراء هذه التوترات التي قد تدفعها إلى الركود الاقتصادي أو تعمق أزماتها المالية.
تتأثر الأسواق الناشئة بشكل خاص بالتقلبات في أسواق العملات وأسعار السلع الأساسية، وهي عوامل تزداد تعقيداً في ظل الحرب التجارية الجديدة.. فالعديد من هذه الأسواق تعتمد بشكل كبير على الصين أو الولايات المتحدة، مما يعني أن أي تراجع في التجارة بين البلدين ينعكس بشكل مباشر على اقتصاداتها. كذلك، تسهم هذه الحرب في زيادة التكاليف المرتبطة بالاستثمار في هذه الأسواق، مع تراجع الثقة في القدرة على تحقيق عوائد مستقرة.
في ظل هذه المعطيات، يواجه المستثمرون صعوبة في تقييم المخاطر الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
معاناة الأسواق الناشئة
من جانبه، يقول رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة متعددة الأصول في يو بي إس، مانيك ناراين، إنه ورغم التفوق الكبير للأسواق الأميركية، حيث حققت الأسهم أداءً يفوق بقية العالم بنسبة 20 بالمئة تقريباً خلال العام الماضي، يبقى الميزان التجاري نقطة ضعف ملحوظة، وهو أمر يشغل اهتمام الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشكل خاص، وفق "بلومبرغ نيوز".
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحفيز فرض تعريفات جمركية جديدة تستهدف الصين، لكن التأثير الأكبر لن يقتصر على الصين وحدها، بل سيمتد إلى بقية الأسواق الناشئة لأسباب خمسة رئيسية، حددها ناراين. ويمكن تلخيص تلك الأسباب -التي كتبها بشكل مفصل في مقال له بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أيضاً، على النحو التالي:
انكماش أسعار الفائدة في الصين يجعل اليوان أكثر قدرة على المنافسة مقارنة بعملات الأسواق الناشئة الأخرى، مما يعزز حجم صادرات البلاد إلى العالم النامي.. الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة من شأنها أن تغذي هذه الطفرة في الصادرات، مما يضع الإنتاج والإنفاق الرأسمالي في الأسواق الناشئة تحت الضغط.
من شأن التعريفات الجمركية أن تؤدي إلى إبطاء واردات الصين، حيث من المرجح أن يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم ضغوطاً مالية وضعفاً في الربحية. وسوف يتضرر مصدرو السلع الأساسية في الأسواق الناشئة من هذا الأمر. وحتى إذا أعلنت الصين عن المزيد من التحفيز المالي، فمن المرجح أن تركز على الاقتصاد الاستهلاكي وليس على مساعدة قطاع السلع الأساسية.
تباطؤ النمو في مختلف الاقتصادات الناشئة يجعلها في موقف ضعيف في مواجهة حرب تجارية محتملة.
أسهم الأسواق الناشئة في القطاعات الحساسة للرسوم الجمركية مثل السيارات والصلب والبنية الأساسية تظل باهظة الثمن خارج الصين على الرغم من العائدات الثابتة على الأسهم.
الرسوم الجمركية قد تلحق الضرر بالصين أيضاً، إذ تواجه دول مثل المكسيك وفيتنام وتايوان وكوريا وتايلاند حالة من عدم اليقين في ظل تمتعها بفوائض أكبر في مواجهة الولايات المتحدة، وقد تكون أيضا هدفا للرسوم الجمركية.
باحث اقتصادي: تهديدات ترامب ورقة تفاوضية لتحقيق مكاسب
كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" الأسترالية، الدكتور نضال الشعار، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى التداعيات المحتملة للسياسات الحمائية التجارية، وخاصة إذا تم تطبيقها بشكل موجه تجاه الصين، موضحاً أن:
مثل هذه السياسات ستدفع الصين للبحث عن أسواق بديلة لترويج بضائعها، وهو ما قد يُمكّن الدول الناشئة من الحصول على المنتجات الصينية بأسعار أقل من السابق بسبب تراجع المنافسة وزوال الهيمنة الاحتكارية للصين في التعامل مع الدول الغربية.
توقف الولايات المتحدة، وهي الشريك التجاري الأكبر للصين، عن استيراد المنتجات الصينية أو فرض رسوم جمركية مرتفعة عليها سيجبر الصين على تسويق منتجاتها بأسعار تنافسية للدول الناشئة، مما قد يعود بالفائدة على تلك الدول.
ويلفت أيضاً إلى الجانب الآخر من التأثيرات السلبية المحتملة؛ ذلك أن فرض سياسات حمائية على نطاق عالمي، كما أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، سيضر بشكل خاص بالدول الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام والمنتجات البسيطة للولايات المتحدة. ويوضح أن هذا قد يؤدي إلى انخفاض حجم التصدير، مما يؤثر على ربحية الشركات في تلك الدول واستمراريتها.
ويختتم الشعار تصريحه بأن السياسات الحمائية ليست مفيدة للتجارة الدولية، مشدداً على أهمية التجارة الحرة وتقليل القيود بين الدول. ومع ذلك، يشير إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة أظهرت أن هذه السياسات ستُطبق بشكل تدريجي، مما يترك المجال لمراقبة مدى جدية الإدارة الأميركية الجديدة في تطبيق هذه الإجراءات خلال الأشهر الأولى من ولايته.
تقرير لمؤسسة Franklin Templeton Investments يشير إلى أنه:
بينما سيراقب المستثمرون في الأسواق الناشئة عن كثب تفاصيل أولويات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، منذ اليوم الأول، لا سيما فيما يتعلق بالتجارة والهجرة، فإنه من المرجح أن يستهدف الصين برسوم جمركية عقابية، وقد تشعر الأسواق الناشئة الأخرى، بما في ذلك المكسيك وكوريا الجنوبية وتايوان أيضاً بتأثير الرسوم الجمركية الأعلى.
ومع ذلك، لا تتوفر بدائل متاحة بسهولة للواردات الأميركية من هذه الأسواق (قطع غيار السيارات عالية الحجم وأشباه الموصلات)، مما قد يقلل من المخاطر التي تتعرض لها هذه الاقتصادات والأسواق.
بالنسبة للصين، فكلما كانت الزيادات في الرسوم الجمركية الأميركية أكثر عدوانية، كلما كانت استجابة التحفيز من جانب صناع السياسات الصينيين أكبر.
الانكماش وضعف ثقة المستهلك يشكلان تحديات لتحفيز النمو الصيني. ومع ذلك، فإن الاستجابة الصينية الاستباقية للسياسات الأميركية الأكثر حزما من شأنها أن تحد من التأثير السلبي على أرباح الشركات الصينية.
تحدث ترامب عن حل سريع للحرب بين روسيا وأوكرانيا بعد تنصيبه. وسوف يركز المستثمرون على احتمال التوصل إلى اتفاق سلام يتضمن تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، من بين تنازلات أخرى.
كما يشكل استئناف شحنات الغاز العابر عبر أوكرانيا إلى دول وسط وشرق أوروبا مجالاً للتركيز، نظراً لأن أوكرانيا قطعت هذه التدفقات في الأول من يناير.
وبحسب التقرير، فإنه من المرجح أن تتعامل أسواق الأسهم في العام 2025 مع الآثار المترتبة على نتائج انتخابات العام الماضي والتحولات السياسية اللاحقة. ومن الجدير بالملاحظة بالنسبة للأسواق الناشئة المخاطر المتمثلة في زيادة التعريفات الجمركية الأميركية والتقلبات الناجمة عن السياسات مع تولي إدارة ترامب الثانية السلطة.
تحاول الصين التقليل من المخاطر الكامنة في التوترات الجيوسياسية من خلال مواكبة دعمها السياسي. وفي العام 2025، قد نشهد علامات على استقرار الاقتصاد الكلي من خلال هذه السياسات، مما قد يسمح بمجال للتعافي الدوري. ومع ذلك، قد يكون هناك بعض خيبة الأمل المحتملة.
حالة عدم اليقين
من جانبه، يقول خبير الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الأسواق المالية تشهد حالة من "التذبذب"؛ نتيجة لارتفاع حالة عدم اليقين الناتجة عن السياسات التجارية العدائية، التي تؤدي بدورها إلى تقلبات حادة في الأسواق المالية.
ويشير إلى أن هذه السياسات قد تسفر عن تراجع تدفقات رؤوس الأموال؛ إذ يفضل المستثمرون التوجه نحو الأصول الأكثر أمانًا مثل الدولار والسندات الأميركية، مما ينعكس سلباً على تدفقات الاستثمار إلى الأسواق الناشئة.
ويلفت أيضاً إلى تأثير "ضعف العملات المحلية" الناتج عن فرض رسوم جمركية مرتفعة، حيث يؤدي ذلك إلى تراجع الطلب على صادرات الأسواق الناشئة، مما يتسبب في انخفاض قيمة عملاتها أمام الدولار، مضيفاً أن هذا الانخفاض يزيد من تكلفة خدمة الديون الخارجية، مما يمثل ضغطاً إضافياً على الموازنات العامة لهذه الدول.
وفيما يتعلق بتأثير هذه السياسات -لا سيما مع تهديدات ترامب- على سلاسل التوريد العالمية، يؤكد الدكتور الإدريسي أن الأسواق الناشئة تلعب دوراً حيوياً كمورد في هذه السلاسل، وأي قيود أو رسوم جمركية تفرض عليها قد تؤدي إلى انخفاض الطلب على منتجاتها المصنعة، مشيراً إلى أن ذلك قد يدفع الشركات متعددة الجنسيات إلى نقل بعض عمليات الإنتاج إلى مناطق أخرى، مما ينعكس سلباً على فرص العمل والنمو الاقتصادي في هذه الأسواق. ويشدد على أهمية إيجاد حلول مستدامة للحد من تأثير هذه السياسات التجارية على الاقتصاد العالمي.
Skynews