#الثائر
في مقابلة مؤثرة مع قناة "الحرة"، استعرض سهيل حموي، السجين اللبناني الذي أمضى 32 عاماً في سجون النظام السوري، معاناته الطويلة في الزنازين، والتي بدأت منذ عام 1992 وانتهت مع سقوط نظام بشار الأسد.
تحدث حموي عن السنوات القاسية التي عاشها، مشيراً إلى أن الفترات التي قضاها في السجون السورية كانت مليئة بالوجع، المرض، الظلم، الألم، الحنين، والاشتياق إلى الحرية، وإلى الوطن، والأهم من ذلك إلى عائلته.
في تلك اللحظات الصعبة، حين كان وحيداً في زنزانته، اكتسب حموي القدرة على الصبر والإصرار. قال: "لم أكن لوحدي. صحيح أنني كنت كجسد، معزولًا في زنزانتي، لكن أرواح من أحب كانت معي". ورغم مرارة الرواية التي يرويها، إلا أن حماسته وأمله في الحياة كانا ظاهرين في نبرة صوته.
عندما تم اعتقال حموي في عام 1992، كان شاباً في بداية شبابه، وكان لا يعرف حتى التهمة التي وجهت إليه. أمضى أياماً في ما وصفه بـ"الفرع"، وهو مكان للاستنطاق تحت الأرض. لم يعلم حموي لماذا تم اعتقاله حتى بعد 20 عاماً، حيث اكتشف لاحقاً أنه كان متهمًا بالتعاون مع القوات اللبنانية.
ومع مرور السنوات، تنقل حموي بين عدة سجون، مثل "فرع فلسطين" (فرع 235)، وسجن تدمر، وصيدنايا، ثم سجن عدرا، قبل أن ينتهي به المطاف في سجن اللاذقية، حيث بقي حتى تحريره مع سقوط نظام الأسد.
قبل أيام من تحريره، كان حموي والسجناء الذين معه قد سمعوا عن تقدم المعارضة السورية إلى مختلف المحافظات. كان التغيير على الأبواب، وقرر السجناء فتح أبواب سجنهم بأنفسهم بعد هروب موظفي السجن وحراسه. في تلك اللحظة، قال حموي إن "الحرية كانت أقرب ما تكون، لكنني شعرتُ بأنني ضائع".
وأضاف، "كنت في مكان لا أعرفه، ولا أعرف من حولي، كان كل شيء غريباً"، لكن بعد فترة قصيرة استطاع أن يرافق أحد السجناء السوريين إلى منزله، ليبدأ مرحلة جديدة في حياته بعد سنوات طويلة من العذاب.
لحظة من أكثر اللحظات الإنسانية تأثيراً في المقابلة كانت عندما تحدث عن لقائه مع عائلته بعد تحريره. قال حموي: "لم أعرفهم، لكنهم عرفوني. كنت أراهم كأنهم حلمي، كنت كِدت أقفز فوق خندق حتى أصل إليهم". وأضاف: "كانوا هناك. زوجتي وأصدقائي. كل أولئك الذين كنت أتحسس أرواحهم معي في الزنزانة". كانت تلك لحظة فارقة في حياته بعد سنوات من العزلة، حيث تحققت أخيراً رؤيته لوجه عائلته وأصدقائه الذين طالما اشتاق إليهم في غياهب السجون.
تحدث حموي عن التعذيب الذي تعرض له في السجون السورية، قائلاً: "تعرضتُ للضرب والتعذيب أثناء استنطاقي في الفرع". وتابع، "بعض آثار الضرب ما زالت في جسدي، لكن أعظم ما فقدته كان حريتي".
ورغم الآلام التي عاشها، كان يظل يختلق طريقة للبقاء على قيد الحياة من خلال الأمل: "كنت إذا اشتقت لأحد، أغمضت عيناي لأراه، وإذا جعت، أكذب على نفسي وأقول إنني أكلت".
حموي ليس مجرد رقم في سجلات النظام السوري، بل هو شهادة حية على المأساة التي عاشها آلاف السجناء الذين تعرضوا لمصير مشابه في سجون الأسد. تجربته لم تكن مجرد معاناة جسدية فحسب، بل كانت معركة مع الزمن، حيث عانى طويلاً من الانقطاع عن العالم الخارجي، لكنه قاوم الصعاب بما تبقى له من روح وعزيمة.
بعد 32 عاماً من الظلم والمعاناة في السجون السورية، جاء تحرر حموي مع بداية انهيار النظام السوري.
حموي، الذي بدأ شبابه في السجون، أصبح اليوم شاهداً حياً على نهاية حقبة من الظلم في سوريا. ومع تحرره، يعكس الأمل الذي لا يموت حتى في أقسى الظروف، ويؤكد أن الحرية تبقى أكبر قيمة يطمح إليها الإنسان مهما طال الزمن.