#لثائر
انتهى حكم “البعث” في سوريا. وسقط الرئيس السوري بشار الأسد وفرّ من مراكز الحكم. وانتصر الشعب الثائر منذ 15 آذار 2011. وتكتب هذه النهاية تاريخاً جديداً لسوريا ولبنان والمنطقة قد يكون ممزوجاً ببعض المطبات لكن في النهاية سيؤسس لولادة شرق أوسط جديد بلا طغاة.
عمّت الفرحة شوارع سوريا. كما عمّت لبنان لخلاصه من نظام حكم بيروت بالحديد والنار منذ عام 1976، ونفذ عمليات اغتيال للقادة اللبنانيين والمعارضين السوريين. وأدى خروج النظام الأسدي إلى قطع خطّ إمداد طهران – بيروت وسقطت أحلام الإمبراطورية الفارسية وأوهامها.
وإذا كان الفضل الأول يعود للشعب السوري الذي ثار وواجه باللحم الحيّ البراميل المتفجّرة، إلا أن هناك سياسة دوليّة ساهمت في السقوط المروّع لحليف طهران. ويدخل هنا الدور الروسي الحازم في العملية التي أدّت إلى هذا الانهيار السريع للنظام.
وتكشف معلومات من مصادر دبلوماسية مطلعة على الموقف الروسي لـ “نداء الوطن” أن موسكو كانت في صلب ما حصل، وعايشت اللحظات الأخيرة لسقوط الأسد، ولو أرادت روسيا التدخّل لصالح النظام لكانت عرقلت تقدّم المعارضة السورية، لأنها تملك قوّة نارية جوية كبيرة، لكن الروس نفّذوا بعض الضربات لـ”رفع العتب”.
وتشير المصادر إلى حصول تفاهم روسي – تركي وأميركي – روسي سهّل ما حصل. وأخذت موسكو ضمانات من أنقره بعدم المسّ بالمصالح الروسية والقواعد المنتشرة على الساحل السوري وضمان نفوذها كما كان وعدم تكرار تجربة ليبيا، وهذا ما يحصل حالياً. ومن جهة الولايات المتحدة الأميركية، بادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى طرح مسألة حلّ الحرب الروسية – الأوكرانية، ويرى ترامب أن إنفاق أكثر من 250 مليار دولار على هذه الحرب تتكبدها دول حلف شمال الأطلسي لا مبرّر له، لذلك حصلت التفاهمات التي أدّت إلى إنهاء النظام السوري مقابل حلّ مرتقب للحرب في أكروانيا بما يحفظ مصالح الروس.
وترى المصادر أن صفحة حكم “البعث” في سوريا طويت نهائياً، أما شكل النظام الجديد فيُرجّخ الذهاب نحو التقسيم أو الفدرالية القريبة إلى الحكم الذاتي. ووفق التفاهمات الكبرى الحاصلة بين الدول، سيكون الساحل السوري منطقة حكم علويّ وليس بعثياً أسدياً، وسيتمتّع الأكراد بحكم ذاتي شبيه بما يحصل في العراق، أما الدروز فسيحكمون السويداء مع احتمال ضمّ مناطق أخرى قريبة وربما من دول الجوار، وسينال السنّة حكم باقي أجزاء سوريا التي هي المنطقة الأكبر.
وبحسب المصادر، لا يوجد قرار دولي بتفجير الحرب الأهلية في سوريا، وترى موسكو أن الفترة المقبلة هي لرسم التوازنات داخل المجتمع السوري وتثبيت مناطق النفوذ، في حين توحي أجواء العاصمة الروسية بإمكان توجيه ضربات للتنظيمات الإيرانية الموجودة في العراق وعلى رأسها “الحشد الشعبي”. وتجرى الآن محاولات لـ “ضبضبة” هذه التنظيمات بالطرق السلمية ومن دون معارك، لكن إذا لم يتمّ فكّ ارتباطها بطهران، عندئذ سيكون كل شيء مستباحاً.
وتشدّد المصادر الدبلوماسية على أن التفاهم الأميركي – الروسي يشمل بالدرجة الأولى قطع رأس النظام الإيراني في سوريا ولبنان وسائر المنطقة، لكن هناك خطوة ثانية قد تأتي لاحقاً وهي ضرب النظام في الداخل الإيراني، وعدم السماح له مجدداً بالعودة إلى ممارسة نشاطه الخارجي، فالمظلة الأميركية – الروسية الكبرى موجودة، والتفاهم الإقليمي مع دول المنطقة وعلى رأسها تركيا وإسرائيل والخليج قائم، وبالتالي، تحقق الهدف في كف النفوذ الإيراني الخارجي. ويبقى انتظار تنفيذ الضربات التالية.
أما لبنانياً، فتؤكّد المصادر الدبلوماسية أن أجواء روسيا تشير إلى أن لبنان سيكون بمنأى عن التقسيم حتى هذه اللحظة، وما هو مرسوم للبلد مهمّ. وبالنسبة إلى سلاح “حزب الله” سيسقط لوحده بعد سقوط الأسد، ولن يكون هناك سلاح لإيران على شواطئ المتوسّط، وتحتاج أوضاع لبنان المعقّدة إلى بعض الوقت لنزع سلاح “الحزب”. لكن النهاية باتت معروفة وهي خروج طهران من بيروت مثلما خرجت من دمشق، وعودة الدولة اللبنانية إلى ممارسة مهماتها وانتهاء مرحلة الحكم بقوة السلاح خارج الشرعية.
إذاً، حصلت هذه التطورات وفق تفاهم أميركي- روسي كبير، مع معرفة روسيا بأن لبنان سيصبح تحت النفوذ الأميركي، لكنها لن تعارض هذه الوضعية لأنها تعرف توجهات البلد التاريخية وقربه من الغرب وليس من موسكو، وإن كانت تملك صداقات كبيرة في الداخل اللبناني.
آلان سركيس - نداء الوطن