#الثائر
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن تفاصيل جديدة بشأن "عملية البيجر" التي استهدفت فيها إسرائيل مئات المقاتلين من " حزب الله "، قبل أيام من بدء القصف على لبنان، خاصة الجنوب والبقاع.
بداية العرض...
وفق الصحيفة، "في العرض الأولي الذي قدّم لحزب الله قبل عامين، بدا الخط الجديد من أجهزة النداء (أبولو) مناسباً تماماً لاحتياجات الجماعة ذات شبكة مترامية الأطراف من المقاتلين وسمعة اكتسبتها بشق الأنفس بسبب جنون العظمة".
وأشارت، في تقرير حصري لها، إلى أن "جهاز النداء AR924 كان ضخماً بعض الشيء ولكنّه قوي، ومصمّم لتحمّل ظروف ساحة المعركة. وكان يتميّز بتصميم تايواني مقاوم للماء وبطارية كبيرة الحجم يمكن أن تعمل لشهور بدون شحن. والأفضل من ذلك كلّه أنّه لم يكن هناك خطر من إمكانية تعقّب أجهزة النداء من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وقد أعجب قادة حزب الله بهذه الأجهزة إلى الحد الذي جعلهم يشترون 5000 جهاز منها ويبدأون في توزيعها على المقاتلين من المستوى المتوسط وأفراد الدعم في شباط (فبراير)".
وقالت: "لم يشك أي من المستخدمين في أنّه يحمل قنبلة إسرائيلية مصنوعة ببراعة. وحتى بعد انفجار آلاف الأجهزة في لبنان وسوريا، لم يقدّر سوى قِلة من المستخدمين الميزة الأكثر شرّاً في أجهزة النداء: فك التشفير المكوّن من خطوتين والذي يضمن أن معظم المستخدمين سوف يحملون جهاز النداء بكلتا يديهم عندما ينفجر".
قُتِل أو أصيب ما يصل إلى 3000 ضابط وعضو في "حزب الله" - معظمهم من الشخصيات غير القيادية - إلى جانب عدد غير معروف من المدنيين، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين وشرق أوسطيين، عندما قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد بتشغيل الأجهزة عن بعد في 17 أيلول.
وأوضحت الصحيفة أنّه تم تجميع هذه الرواية، بما في ذلك العديد من التفاصيل الجديدة عن العملية، من مقابلات مع مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطّلعين على الأحداث، بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقرّبين من "حزب الله".
خطّة لسنوات...
اعتبرت الصحيفة الأميركية أن ما حصل كان "أحد أكثر عمليات الاختراق نجاحاً وإبداعاً للعدو من قبل جهاز استخبارات في التاريخ الحديث".
وقالت: "بدأت الخطة التي استمرّت لسنوات في مقر الموساد في تل أبيب، وشارك فيها في نهاية المطاف مجموعة من العملاء والمتواطئين غير المتعمدين في بلدان متعدّدة".
وبحسب مسؤولين إسرائيليين وشرق أوسطيين وأميركيين مطلعين على الأحداث، فـ"إن فكرة عملية البيجر نشأت في عام 2022. وبدأت أجزاء من الخطّة تتبلور قبل أكثر من عام من هجوم حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الذي وضع المنطقة على مسار الحرب. وكان ذلك وقتاً هادئاً نسبياً على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان".
وأردفت الصحيفة: "من بين الميليشيات المدعومة من إيران التي تمتلك أسلحة موجّهة إلى إسرائيل، فإن حزب الله هو الأقوى على الإطلاق. وكان المسؤولون الإسرائيليون يراقبون بقلق متزايد كيف أضاف الحزب أسلحة جديدة إلى ترسانة قادرة بالفعل على ضرب المدن الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة".
وأضافت: "كان الموساد، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي المسؤول عن مكافحة التهديدات الأجنبية للدولة اليهودية، قد عمل لسنوات على اختراق المجموعة من خلال المراقبة الإلكترونية والمخبرين. بمرور الوقت، أدرك قادة حزب الله ضعف الحزب أمام المراقبة الإسرائيلية والقرصنة، وتحوفّوا من أن تتحوّل حتى الهواتف المحمولة العادية إلى أجهزة تنصّت وتتبّع تسيطر عليها إسرائيل".
وفق المسؤولين، "هكذا ولدت فكرة إنشاء نوع من حصان طروادة للاتصالات، إذ كان حزب الله يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل، وتوصّل الموساد إلى حيل من شأنها أن تدفع المجموعة المسلّحة إلى شراء أجهزة تبدو مثالية للوظيفة، وهي المعدّات التي صمّمها الموساد وقام بتجميعها في إسرائيل".
ولفتت الصحيفة إلى أن "الموساد بدأ في إدخال الجزء الأول من الخطّة، أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في عام 2015. تحتوي أجهزة الراديو المحمولة ثنائية الاتجاه على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجّرات مخفية ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتّصالات حزب الله. وعلى مدى تسع سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصّت على حزب الله بحسب ما قال المسؤولون، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة ومنتج جديد براق: جهاز اتصال لاسلكي صغير مزوّد بمتفجّرات قويّة. وفي مفارقة لم تتّضح إلا بعد أشهر عدّة، انتهى الأمر بحزب الله إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل القنابل الصغيرة التي من شأنها أن تقتل أو تصيب العديد من عناصره".
وتابعت: "ولأن قادة حزب الله كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، لم يكن من الممكن أن تأتي أجهزة الاتصال اللاسلكي من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف آخر لإسرائيل. لذا، في عام 2023، بدأت المجموعة تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تحمل علامة أبولو التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة مع المصالح الإسرائيلية أو اليهودية. وأكد المسؤولون أن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة".
وذكرت أن "هذا العرض جاء من مسؤولة تسويق موثوق بها لدى حزب الله ولها صلات بأبولو. وكانت المسؤولة التسويقية، وهي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثّلة مبيعات سابقة للشركة التايوانية في الشرق الأوسط أسّست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو التجارية. وفي وقت ما من عام 2023، عرضت على حزب الله صفقة على أحد المنتجات التي تبيعها شركتها: جهاز AR924 القوي والموثوق".
وقال مسؤول إسرائيلي مطّلع على تفاصيل العملية: "هي التي كانت على اتّصال بحزب الله، وشرحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجماً والمزوّد ببطارية أكبر أفضل من النموذج الأصلي"، مضيفاً أن إحدى الميزات الرئيسية لجهاز AR924 كانت أنّه "من الممكن شحنه بكابل. وكانت البطاريات تدوم لفترة أطول".
تم الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج الأجهزة الفعلية ولم يكن لدى المسؤولة التسويقية أي علم بالعملية ولم تكن على علم بأن أجهزة النداء جمعت في إسرائيل تحت إشراف الموساد، وفق المسؤولين. وتضمنت أجهزة النداء التابعة للموساد، والتي يزن كل منها أقل من ثلاث أونصات، ميزة فريدة: حزمة بطارية تخفي كمية ضئيلة من المتفجّرات القوية، وفقاً للمسؤولين المطلعين على العملية.
وأوضح المسؤولون أن مكوّن القنبلة كان مخفياً بعناية شديدة لدرجة أنّه كان من المستحيل اكتشافه تقريباً، حتى لو تم تفكيك الجهاز. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن "حزب الله" فكّك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.
عن التفجير...
كان يمكن للموساد الوصول عن بعد إلى الأجهزة وتتسبّب إشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات في انفجار آلاف الأجهزة في وقت واحد. ولكن لضمان أقصى قدر من الضرر، يمكن أيضاً أن يحدث الانفجار من خلال إجراء خاص من خطوتين مطلوب لعرض الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها.
وقال أحد المسؤولين: "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة. وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني استخدام كلتا اليدين".
وأكّد أنّه في الانفجار الذي يليه، "من المؤكد تقريباً أن المستخدمين سوف يجرحون أيديهم، وبالتالي سيكونون غير قادرين على القتال".
لم يكن أغلب كبار المسؤولين في إسرائيل على علم بهذه القدرة حتى الثاني عشر من أيلول (سبتمبر). وفي ذلك اليوم استدعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة التحرّك المحتمل ضد "حزب الله"، بحسب مسؤولين إسرائيليين.
وبحسب ملخص للاجتماع عقد بعد أسابيع، قدم مسؤولو الموساد لمحة أولى عن واحدة من أكثر عمليات الوكالة سرّية. وبحلول ذلك الوقت، كان الإسرائيليون قد وضعوا أجهزة اتصال مفخّخة في أيدي وجيوب الآلاف من مقاتلي "حزب الله".
وتحدّث مسؤولو الاستخبارات أيضاً عن قلق طويل الأمد إذ مع تصاعد الأزمة في جنوب لبنان، كان هناك خطر متزايد من اكتشاف المتفجرات، يمكن أن تسفر سنوات من التخطيط الدقيق والخداع بسرعة عن لا شيء.
وقال المسؤولون إن نقاشاً حاداً حصل في جميع أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. أدرك الجميع، بمن فيهم نتنياهو، أن الآلاف من أجهزة الاتصال المتفجّرة يمكن أن تلحق أضراراً لا حصر لها بـ"حزب الله" ولكنّها قد تؤدي أيضاً إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة الحزب الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة، بحسب "وشنطن بوست".
وقال مسؤول إسرائيلي: "كان من الواضح أن هناك بعض المخاطر". وحذّر البعض، بما في ذلك كبار المسؤولين في الجيش الاسرائيلي، من احتمال تصعيد كامل مع "حزب الله"، حتى في الوقت الذي يواصل فيه الجنود الإسرائيليون العمليات ضد "حماس" في غزة. ولكن آخرين، وعلى رأسهم الموساد، رأوا فرصة لتعطيل الوضع الراهن "بشيء أكثر كثافة".
وأفاد مسؤولون أميركيون بأن الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل، لم تكن على علم بأجهزة النداء المفخخة أو النقاش الداخلي حول ما إذا كان ينبغي تشغيلها.
وفي النهاية، وافق نتنياهو على تشغيل الأجهزة رغم أنّها قد تلحق أقصى قدر من الضرر.
وعلى مدى الأسبوع التالي، بدأ الموساد الاستعدادات لتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي كانت متداولة بالفعل.
وفي القدس وتل أبيب، اتسع النقاش حول حملة "حزب الله" ليشمل هدفاً آخر بالغ الأهمية: أمين عام الحزب حسن نصرالله.
وقد تمكّنت إسرائيل من اغتياله الشهر الماضي بضربة على المقر المركزي لـ"حزب الله" في الضاحية الجنوبية.