#الثائر
رئيس تحرير موقع "الثائر" الخبير العسكري اكرم كمال سريوي -
اثبت ميدان القتال، أن ما يتعلمه الجنود والضباط في الكليات والمعاهد العسكرية، لا يتجاوز 30% مما يحتاجه أي جيش لخوض معركة ناجحة.
فمهما حاول الجيش رفع المستوى القتالي لعناصرهم خلال التدريب، يبقى أن التجربة الحقيقية والتمرّس في ميادين القتال، في مواجهة عدو حقيقي، أمر مختلف للغاية، عن الدروس النظرية والمناورات والخطط المرسومة بدقة ضد عدو وهمي، لا تتكبد فيها القوات أي خسائر فعلية، ولا تواجه أخطارًا حقيقية.
عندما بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، اعتمد الجيش الروسي على تكتكات تقليدية في الهجوم، وتوغّل حتى وصل إلى مشارف العاصمة كييف، وكادت القوات الأوكرانية أن تُعلن استسلامها، لولا التدخل الأمريكي شبه المباشر بالحرب، حيث زودت الجيش الأوكراني بالاسلحة النوعية، خاصة صواريخ "جافلين" المضادة للمدرعات.
والأهم من ذلك كان وضع شبكة "ستارلينك" للاقمار الصناعية التابعة لأيلون ماسك في خدمة أوكرانيا، مما أمّن عودة الاتصالات بشكل شبه طبيعي، خاصة بين وحدات الجيش الأوكراني.
نقطة أخرى لا تقل أهمية في هذه الحرب، هي تزويد الأميركيين للأوكران بالصور من الطائرات والاقمار الصناعية، على مدار الساعة، وإبلاغهم بأماكن واحداثيات تواجد الوحدات والحشود الروسية وتحركاتها، مما سمح للأوكران بنصب الكمائن المحكمة، واستهداف تحركات وارتال الجيش الروسي، والحاق خسائر هامة به.
على مدى أكثر من عامين تدور رحى حرب طاحنة، راح ضحيتها عشرات الالاف من الجنود، في حروب شوارع وأنفاق، تركز معظمها داخل المدن والقرى والتجمعات السكنية.
وكان يعتمد الجيش الأوكراني على التفوق العددي، لمواجهة التفوق التقني الروسي. وهذا جعل الخسائر الأوكرانية تفوق الخسائر الروسية بأضعاف، خاصة في مرحلة شن القوات الأوكرانية، ما سمي بالهجوم المعاكس، الذي فشل فشلاً ذريعاً، وقصم ظهر الجيش الأوكراني، الذي بات عاجزاً عن التعافي، رغم كل الدعم الغربي والسخاء المقدم له، من مال ومعدات وذخائر ودعم بالمرتزقة والخبراء العسكريين.
تحاول أوكرانيا التعويض عن فقدانها لسلاحي الجو والبحرية، عبر التركيز على سلاح المسيرات، التي تصل إليها بالآلاف من الدول الغربية،إضافة إلى ما تصنعه وتستورده من الصين ودول أخرى.
ومما لا شك فيه أن دخول المسيرات إلى ميدان القتال، كان له أثر كبير في نتائج المعارك، وأصبح يشكّل نقطة تحوّل في رسم خطط الحرب وتطوير تكتيكات القتال.
نجحت روسيا سريعاً في التأقلم مع المتغيرات الحاصلة، واستفادت من التجارب التي خاضتها، ودرست مكامن الضعف والثغرات في أسلحتها، وعمدت إلى تطوير أسلحة جديدة، بدأت تُحدث فرقاً كبيراً في المعارك، وسبقت الغرب بخطوات عدة على هذا الصعيد، وذلك باعتراف كبار جنرالات البنتاغون وحلف الناتو.
عمدت روسيا أولاً إلى تطوير منظومات الدفاع الجوي، خاصة منظومات "تور" و "بوك ام-٢" إضافة إلى بنادق stupor (اذهال) الالكترونية المضادة للمسيرات، ونظام بانتسير المحمول على عربة .
ونظام "بانتسير" لديه قدرة عالية على المناورة، وتدمير أهداف جوية متنوعة، خاصة أنه نظام دمج بين الصواريخ التي يصل مداها إلى ارتفاع 12 كلم، ومدفع رشاش مزدوج، تصل فيه سرعة الرمي إلى 2400 طلقة بالدقيقة.
وهذا النظام يُستخدم اليوم لحماية العاصمة موسكو من المسيرات، كما يمكنه تأمين الحماية لمنصات اس-500 و أس-400 المخصصة لمواجهة أهداف جوية بعيدة المدى وعلى ارتفاعات عالية.
لكن كل تلك المنظومات هي مرتفعة الكلفة، ولذلك لجأت روسيا إلى تطوير أنظمة دفاع جوي، تعتمد على أشعة الليزر.
وفي البداية ادخلت إلى الخدمة نظام "بيريسفيت" القادر على اطلاع شعاع ليزر قوي جداً، يمكنه إعماء الاقمار الاصطناعية للعدو، على ارتفاع يصل إلى أكثر من 1500 كلم.
أما المنظومة الأُخرى فهي "زاديرا" التي أصبحت قيد الاستخدام بالفعل.
وهي قادرة على استهداف طائرات بدون طيار، ويتم تثبيت هذه المنظومة، على منصة سيارة مصفحة، لجعلها تتمتع بحماية معينة من شظايا العدو ورصاصه.
في الوقت نفسه، تعمل منظومة "زاديرا" بشكل صامت، لأن شعاع الليزر غير مرئي ولا صوت له، (فقط في أفلام الخيال العلمي يظهر شعاع الليزر وهو يخترق السماء).
في الواقع، شعاع الليزر غير مرئي، وسرعته تساوي سرعة الضوء، لذلك تتم إصابة الهدف عمليا بشكل فوري.
والأهم من ذلك أن كلفة نبضة شعاع الليزر منخفضة للغاية مقارنة بالصواريخ المضادة للطائرات".
لقد أثبتت الأنظمة الروسية فعالية عالية في ميدان القتال، وباتت تُسقط أكثر من 90% من المسيرات التي يطلقها الجيش الأوكراني.
وتعمل روسيا الآن على تطوير أسلحة ليزر بقوة 300 كيلوواط، ليصل مداها إلى حوالي 40 كلم، وتصبح قادرة على تعطيل كل الاهداف الجوية، من طائرات حربية ومسيّرات جوية وبرية وبحرية، وحتى مسيّرات تحت الماء. هذا إضافة إلى مواجهة الصواريخ البالستية، وصواريخ كروز، وقذائف المدفعية الموجهة.
وتخطط روسيا لبناء مدافع ليزر بقوة واحد ميغا واط، وهذه في حال نجاحها، ستكون قادرة على تدمير المدرعات، وحرق الأهداف من مسافات بعيدة، وبتكلفة بسيطة.
لم تعد روسيا تدفع بجنودها إلى أتون الحرب، وباتت توفر لهم حماية كبيرة على كافة المستويات.
وحتى في قتال المدن لم تعد تعمد إلى الالتحام مع القوات المدافعة، إلا بعد إنهاكها وتدمير مقومات الصمود لديها، ولهذا السبب نرى القرى والمدن الأوكرانية، تسقط بيد الجيش الروسي بشكل يومي.
صحيح أن هذا النمط في القتال قد يكون بطيئاً، مقارنة مع هجمات الجيوش الجرارة سابقاً، لكنه لديه فعالية عالية، ويراكم النجاحات، ليحقق النصر بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة.