#الثائر
مرة جديدة سيُخضع المجلس الدستوري قانون التمديد للبلديات لـ"فحص دستوري" لاستخلاص مدى توافر الظروف الاستثنائية التي دفعت مجلس النواب للتمديد الثالث للمجالس البلدية والاختيارية.
في المقابل، هل وزارة الداخلية جاهزة لإجراء الانتخابات البلدية في حال قبول الطعن، واستطراداً هل كان يحق لمجلس النواب التشريع في غياب رئيس الجمهورية؟
يعكف المجلس الدستوري على دراسة الطعن بقانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية الذي أقره مجلس النواب في جلسة تشريعية ونُشر في الجريدة الرسمية، ويقضي بتمديد ولاية المجالس البلدية الى شهر أيار من العام المقبل.
"الظروف الاستثنائية حضرت في التمديدين السابقين"
للمرة الثالثة لن يستطيع اللبنانيون اختيار مجالسهم البلدية والاختيارية بسبب الظروف الاستثنائية التي تحول - بحسب النواب الذين أقروا التمديد الثالث - دون إجرائها، وإن كان المجلس الدستوري ردّ مرتين الطعون بالتمديدين السابقين للبلديات مبيّناً توافر الظروف الاستثنائية مع تسجيل مخالفة 3 أعضاء في المجلس للقرار، وذلك لأسباب عدة منها أن مجلس النواب لا يستطيع التشريع في غياب رئيس الجمهورية.
التمديدان للبلديات في عامي 2022 و2023 كانا بسبب عدم تمكن وزارة الداخلية من إجرائها لعدم توافر الأموال وكذلك بسبب الظروف التي يمر بها لبنان. أما التمديد الثالث فجاء بالتزامن مع استمرار العدوان على غزة والاعتداءات الاسرائيلية على لبنان وخصوصاً في الجنوب والبقاع. وإن كانت الظروف اليوم مختلفة تماماً عن عامي 2022 و2023 بسبب الحرب، فكيف سيتعاطى المجلس الدستوري مع الطعون الراهنة؟
بمعنى آخر، ان المجلس ردّ الطعون السابقة رغم الهدوء الذي كان يتمتع به لبنان، فما هي الحال اليوم؟ في ذلك ليس ثمة استباق لقرار المجلس الدستوري بل مقارنة بين الحالتين السابقتين والحالة الراهنة، ما يعني أن ردّ الطعن هو الأرجح بحسب المتوقع.
لكن إذا قبل المجلس الدستوري الطعن، هل تستطيع وزارة الداخلية إجراء الانتخابات؟
قبل أن يقرّ مجلس النواب التمديد للبلديات وجّهت وزارة الداخلية والبلديات دعوات للهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات في أكثر من محافظة، ولكن لم يسجّل سوى تقديم عدد قليل ترشيحاتهم لتلك الانتخابات.
بيد أن الداخلية أكدت على لسان الوزير بسام مولوي استعدادها لإجراء الانتخابات، مشيرة الى أن أي إجراء آخر هو من مسؤولية السلطة التشريعية، في إشارة الى بدء الحديث عن النيّة لتمديد ولاية البلديات.
أما في حال قبول الطعن فهل ستشرع الوزارة في إجراء الانتخابات خلال فترة أشهر من قرار المجلس الدستوري؟ في المبدأ ووفق ما أعلنته سابقاً فإن الوزارة بعد صدور قرار المجلس الدستوري بقبول الطعن، ستدعو للانتخابات وفق المهل القانونية.
وزير الداخلية سابقا مروان شربل يؤكد لـ"النهار" أن "وزارة الداخلية غير قادرة على إجراء الانتخابات البلدية وإن كانت حددت تواريخ لتلك الانتخابات قبل التمديد"، ويسأل: "هل تم التنسيق مع وزارة التربية ما دامت الانتخابات ستجري في المدارس، وهل القضاء كان جاهزاً لتلك المهمة؟".
بحسب شربل ان ذلك لم يكن متوافراً، ويقترح "إجراء الانتخابات في البلديات المنحلة والمستحدثة، أي في نحو 100 بلدية، وأن يصار الى تحديد تواريخ إجرائها وفق المحافظات، ويمكن إجراء الانتخابات في أكثر من محافظة في اليوم عينه، وهذا يضمن استمرارية تلك البلديات ويخفف الحِمل عن المحافظين والقائمقامين الذين يتولون تسيير أحوال تلك البلديات".
واللافت أن شربل كان قد اقترح إجراء الانتخابات البلدية في اليوم عينه الذي أُجريت فيه الانتخابات النيابية، أي في 15 أيار عام 2022 ما دامت لوائح الشطب هي عينها وأقلام الاقتراع وكل الترتيبات متوافرة لإجراء الانتخابات، وعندها كان يمكن توفير الوقت والأموال.
"المجلس يشرّع أم لا يشرّع؟"
منذ بدء الشغور في سدة الرئاسة الاولى عاد الجدل بشأن دور مجلس النواب وما إذا كان يحق له التشريع في غياب رئيس الجمهورية، علماً أن هذا الجدل كان بين عامي 2014 و2016 وسبق للمجلس أن شرع تحت شعار "تشريع الضرورة"، وتكرر الأمر بعد 31 تشرين الأول عام 2022 والتأم المجلس للتشريع في أكثر من مناسبة منها التمديد للقادة الأمنيين وكذلك التمديد للبلديات وإقرار قوانين أخرى.
وبحسب أستاذ القانون الدستوري المعمّق في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام إسماعيل، ان مقاربة الطعن بتمديد ولاية المجالس المحلية تنطلق من تحديد الزاوية الدستورية البحتة وما إذا كان يدخل في اختصاص مجلس النواب استبدال الانتخاب بتمديد ولاية المجالس القائمة، أو إحلال نفسه محلّ الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، وأن الدستور قد حدّد ميدان التشريع ولم يدخل ضمن هذا الميدان الحلول محل الهيئات الناخبة.
ويلفت إسماعيل الى أن "صلاحية مجلس النواب التشريعية تبقى مقيّدة باحترام الدستور والمبادئ والقواعد ذات القيمة الدستورية، فالأمة لم تولِّ السلطة المشترعة حرّية عملٍ لا حدود لها، كما لا يُسمح لهذه الأخيرة باسم إرادة الأمة نفسها بأن تتجاوز النصوص الدستورية بواسطة القوانين. وإذا ما فعلت فإنها تكون قد تجاوزت سلطتها، وهذا التجاوز على أحكام الدستور هو تجاوز لميثاق الأمة ومعارضة لإرادة الشعب الممثلة فيه، والتي على السلطات الثلاث احترامها والتقيّد بها تحت طائلة بطلان أعمال هذه السلطات المخالفة لنص الدستور أو روحه".
ويشير الى أن مجلس النواب "يدرك أن التمديد مخالف للدستور، إلا أنه يعتبر ان إقدامه على هذه الخطوة تفترضه ضرورات وظروف استثنائية ناجمة عن الحرب الدائرة في الحدود الجنوبية وتأثيراتها على الداخل اللبناني، وانشغال القوى السياسية والأمنية بمواجهة العدو الإسرائيلي ولا تستطيع المخاطرة بتحويل هذه القوى من مراقبة العدو وتتبّع خطواته إلى الانشغال بعملية انتخابية سوف تحتاج إلى مواكبة أمنية وعسكرية وسياسية وحزبية ما يحرفها عن واجب مواجهة العدو، وأنه في ميزان الأولويات فإن التفرّغ للأعمال الحربية له الأولوية على التفرّغ للعملية الانتخابية".
يُذكر أنه سبق للمجلس الدستوري أن ردّ المراجعة لإبطال القانون الرقم 310 لعام 2023، وحينذاك كانت الإشارة الى أن الإدارة (السلطة التنفيذية)، كان لديها متسع من الوقت للتحضير للانتخابات وإجرائها قبل انتهاء الولاية وفي المواعيد التي حدّدتها، ولا يبرر تمديد تلك الولاية وتركها لإرادة تلك الإدارة لمدة سنة، إذ إنه يظلّ ثمة احتمال أن تتقاعس مجدداً حتى نهاية المهلة وتضع المجلس النيابي مرة جديدة أمام الأمر الواقع.
ويوضح إسماعيل أن "المجلس الدستوري في قراره العام الفائت قد ألزم نفسه بعدم السماح لمجلس النواب بتمديد ولاية المجالس المحلية والاختيارية لولاية ثالثة، وهذا الموجب التعاهدي في ما بين الأعضاء يُعدّ مخالفة لرأي الأكثرية، ويدفع للاعتقاد بأن المجلس الدستوري في وضع حرجٍ لا يستطيع الموافقة على التمديد الجديد لولاية المجالس المحلية، خصوصاً أن دور هذا المجلس يجب أن يكون في استخراج التعبير الأمثل والأدق والأصح والأصدق عن إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات وصاحب السيادة في النظام السياسي، وان تراخي المجلس الدستوري في إعمال رقابته على دستورية القوانين، والتغاضي عن تعديلات واستثناءات متتالية في قضايا سوف يؤسّس بحسب تعبير الدكتور أنطوان مسرة للقول بحالة لاقانون حيث يفقد القانون صفته المعيارية ويتحوّل الى أداة لشرعنة أمر واقع ونفوذ".
وفي الخلاصة، إذا أبطل المجلس الدستوري قانون تمديد ولاية المجالس المحلية والاختيارية، فإن من واجب وزارة الداخلية والبلديات الدعوة فوراً إلى إجراء انتخابات جديدة بلا إبطاء تفادياً لأيّ فراغٍ في المجالس البلدية والاختيارية، إذ تعتبر المجالس المنتخبة والمخاتير منتهية ولايتهم حكماً اعتباراً من تاريخ 31 أيار الحالي.
المصدر - النهار