#الثائر
منال . ح. خاص "الثائر"
ظلمُ ما بعده ظلم، وحشية لم تُدركها أعتى الوحوش وأكثرها ضراوة، بشاعة لم يشهد التاريخ البشري لها مثيل، قهرٌ وألمٌ ووجعٌ ونحيب على فراق الأحباب والأولاد والأهل والجيران والأصدقاء، ويأسٌ وخيبةٌ وحزنٌ عميق على زوال البيوت الآمنة، وشبابيك الصباح، وأحواض الورود الجميلة، وساحات الطفولة التي امتزجت بضحكات الأطفال ونظرات الأهل المليئة بالتفاؤل بمستقبل واعد وجميل ذهب إلى غير رجعة.
تساءلت لماذا كل هذا في هذه البقعة من الأرض التي اختصرت كل القضايا، وكل البطولة والشجاعة، وكل الصبر والصمود، وكل الوعي والإدراك لتفاصيل المؤامرة، وكل التجاهل والوقاحة في أروقة السياسيين وصنَّاع القرار. يبدو أنَّها إستراتيجية عقاب تاريخي ضد الشعب الفلسطيني، بدأت منذ العام 1948 وتستمر حتى اليوم، وقد تستمر حتى سقوط آخر طفل يحمل بيده وعاء تنكي ليجلب حفنة من الطعام لمن تبقى من أخوته، وآخر طفلة تفتقد والدها الذي ذهب إلى الجنة، وآخر مقاتل لم يفقد الأمل باستعادة أرضه، وآخر امرأة لم تتوقف عن الإنجاب كي يبقى هناك أمل، وآخر شيخ لا زال يحتفظ بمفتاح بيته الحجري القديم، رافضاً إرادة الخونة والعملاء والمتآمرين.
بدايةً هالني ما حدث في جلسات الأمم المتحدة التي تكررت وهدفت إلى تحقيق هدنة إنسانية ووقف القتل في غزة، ولكنني الآن فهمت القصة ولو متأخرة، و"القصة وما فيها" أنَّها مسألة شخصية وخلافٌ قديم بين مريم محمود ماهر عبد ربه، الطفلة الفلسطينية من غزة، وليندا توماس غرينفيلد، مندوبة الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة، نعم قد على الأرجح هذه الحقيقة، وقد ظهر ذلك واضحاً في جلسة الأمم المتحدة الشهيرة، وأمام أعين كل ممثلي دول العالم، نعم، رفعت ليندا الأميركية يدها بقوة وبإصرار وأعلنت الفيتو الأميركي على هدنة إنسانية في غزة، كان قد طلبها مندوب الجزائر في هذه المنظمة الموقَّرة والمحترمة. يبدو أنَّ مريم الفلسطينية تمادت في ارتكاب الإنتهاكات في حق ليندا، وربما مريم سلبت ليندا وطنها وحريتها ورفاهيتها وحقها في العيش بكرامة، ومنعت عنها الأمل بمستقبل جميل. ويبدو أيضاً أن مريم وعن سابق إصرار وتصميم، ومنذ ما قبل ولادتها بعشرات السنين، كان لديها النية في ذلك، كيف لا وكل ذلك يبدو ظاهراً على وجه مريم، وفي نبرات صوت مريم، بينما جلست ليندا البريئة على مقعدها الدائم في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، تدافع عن حقها بأنها صاحبة القرار في أن تحيا مريم أو تموت، فربما الهدنة الإنسانية قد تعطي مريم فرصة لتعيش، ومريم لا تستحق العيش، فمريم خطيرة جداً، وهي في النهاية مجرد طفلة فلسطينية شاء القدر أن تولد في غزة.
لن أُطيل الكلام، فليس بعد غزة أي كلام يُقال، فقط آخر كلام، عار عليك يا ليندا وبئس المصير، وكل الحب والتضامن معك يا مريم، حمى الله وجهك الجميل.