#الثائر
- " ظافر مراد "
مصطلح "الدولة العميقة" هو مفهوم مستجد يفسِّر ويشرح حالة شاذة في كيان دولة ما، هذه الحالة تنتج عن تراكمات من الأخطاء والإنتهاكات والتدخلات الخارجية التي تفرضها ظروف معينة ولأمدٍ طويل، بحيث تتمكن مجموعة سياسية أو دينية أو أيديولوجية من الإمساك بمفاصل الدولة وبآليات قرارها. تصبح هذه المجموعة حكومة خفيّة تآمرية عميقة في أحشاء الدولة، تمثِّلها قوَّة أو مراكز قوى متعددة متعاونة مخفيّة عن الأعين، تعمل لمصالحها الخاصة والضيقة وتدمر المصالح الوطنية. هي تمنع تطور الدولة وتقيِّدها بقضايا وشعارات واهية وخادعة، وتسلب مواردها بوسائل محترفة، وتسخِّر إدارات الدولة لمصالحها، وتُضعف مؤسساتها الأمنية والقضائية عبر تنصيب وكلائها المرتهنين. ينتج عن وجود الدولة العميقة إقتصاد منهار، مؤسسات فاشلة وبالية، حكومات ضعيفة فاقدة للثقة، علاقات دولية متدنية المستوى، بنى تحتية متهالكة، أمن ضعيف وموجَّه، موجات هجرة كبيرة، تجاهل دولي مستغرب ومثير للجدل، شعوب فقيرة وحكام فاحشي الثراء.
يشكِّل لبنان أحدث نموذج لمفهوم "الدولة العميقة" وأشده تعقيداً، ينطبق عليه كل ما ورد أعلاه. هو أيضاً جمهورية ذات نظام ديكتاتوري مقنَّع، هذا النظام تم إثباته من خلال تعطيل آليات تداول السلطة وفرض قانون إنتخاب هجين يمنع التغيير، يتجلَّى النظام الديكتاتوري المقنَّع أيضاً من خلال فبركة نماذج إتخاذ قرار مضحكة يُطلق عليها تسمية "التوافق". وفي حال عدم التوافق، يكون الملاذ الأخير لحكام الدولة العميقة، بضعة أحداث أمنية وربما تفجيرات وإغتيالات تفي بالمطلوب، حيث تستهدف "الحاجة للأمان" عند المواطنين المغلوب على أمرهم لفرض "التوافق" المزعوم عليهم والقبول به.
في لبنان الدولة العميقة، هناك دائماً مجموعة من الأدوات البشرية الجاهزة لإفتعال أي حدث أمني أو سياسي أو إجتماعي أو إقتصادي مطلوب، وتكمن المشكلة أنه ليس لدى المواطنين المسالمين والعزل أي قدرة على مواجهتهم في الشارع، وخيارات المواطنين دائماً تقتصر على المفاضلة بين أمنهم وسلامتهم مقابل رضوخهم لشروط وحاجات الدولة العميقة.
في لبنان الدولة العميقة يتم تطبيق العمل الحكومي بعيداً جداً عن المسارات والآليات القانونية والطبيعية، ويتم ذلك عبر التسويات والإتفاقات السرية الغامضة والخارجة عن القانون، بعدها يتم تظهير القرار مع مجموعة من المبررات الواهية والخادعة للجماهير. وتضيع الحقيقة في غمرة التفاصيل وبين ثنايا الكم الكبير من المعلومات المغلوطة والكاذبة التي تُضخ في الفضاء الإلكتروني، وعلى وسائل الإعلام التي تمتلكها النخبة الحاكمة للدولة العميقة.
في لبنان الدولة العميقة، تحدث السرقات والتفجيرات والإغتيالات والإنتهاكات لسيادة الدولة، ويبقى الفاعل مجهولاً، ينتفض الشباب العزَّل ويثوروا لتغيير الواقع، ويحاولوا الإشارة إلى الفاسدين لتتم محاسبتهم، ويطالبوا بنزع السلاح غير الشرعي لمصلحة السلاح الشرعي ولمصلحة المؤسسات الأمنية، فتقوم الأجهزة الأمنية باعتقالهم وزجهم في السجون.
في لبنان الدولة العميقة أصبح فساد السياسيين اللبنانيين حاجة دولية لتمرير الكثير من الملفات الحساسة والهامة وتحقيق المصالح الخاصة لبعض الدول، فمن أفضل من الفاسد والمتَّهم للتفاوض معه وفرض التنازلات عليه، لقد أصبح وجودهم في السلطة مصلحة حيوية لأعداء لبنان وخصومه، تم إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتم ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وتوزيع ثروة الغاز، يبقى حالياً التفاوض على مسألة اللاجئين السوريين والتآمر على عودتهم.
السؤال الذي يطرحه اللبنانيون كيف ومن سيفكك هذه الدولة العميقة ؟ والجواب وللأسف أنه لا يوجد في الوقت الحالي رغبة خارجية أو قدرة داخلية لتفكيكها. فالدولة العميقة تمتلك كل أدوات الحكم وكل أدوات الترهيب والتأثير وخداع الجماهير، لديها قدرة على إحباط أي محاولة لإقصاء مسؤوليها عن السلطة، وهي تحكم قبضتها على القرارات الهامة السياسية والإقتصادية والأمنية.
تجتمع مصالح أطراف الدولة العميقة مع مصالح دول خارجية نافذة، ويتم التعاون والتنسيق عبر الموفدين والمبعوثين وديبلوماسية المؤامرات، وتُصِر الدولة العميقة على تقديم أفضل العروض للخارج لقاء البقاء في السلطة وإستملاك موارد الوطن.
يبقى علينا نحن اللبنانيون أن ننتظر ساعة تضارب مصالح الدول النافذة مع مصالح أطراف الدولة العميقة، نتمنى أن يحدث ذلك في العام الجديد، حينها ربما يصدر قرار دولي بتفكيك هذه الدولة واستعادة الوطن والسيادة، كل عام وأنتم بخير.
ملاحظة: ====== "الثائر" غير مسؤولة عن الآراء الموجودة في خانة "مقالات وأراء"، بل هي تعبّر عن رأي كاتبها، وتم نشرها بناءً على طلب الكاتب.=========