#الثائر
- " شربل شربل "***
هل تصوّرت يومًا أنّك ستصادف شحّاذًا يستجدي الناس بضع دقائق من أعمارهم، ليعيش بها، مطيلًا عمره سنوات؟
لو استوقفني نيكوس كازانتزاكي(Nikos Kazantzokis) في أحد شوارع جزيرة كريت، وتسوّل من عمري ربع ساعة، لما تردّدت في منحه إيّاه، لا بل أضعافه، لو كان ذلك في مقدوري، أو لو كنت واثقًا من أنّه ما زال في رصيدي ما يكفي لتلبية طلبه. وربّما لأجبته مستغربًا طلبه، قبل أن أعرف من هو هذا "الشحّاذ"، بقولي:
من ذا يعيرك عمره تحيا به
أرأيت عمرًا يُشترى أو يوهَبُ؟!
بالتأكيد، لا.
ولو شئت أن تقدّم نصيحة لهذا الهرِم الماثل أمامك، فلن تجد سوى ما علق في ذاكرتك من سفر الخروج، وسفر التثنية و… حيث كثرت الآيات التي تصف كيفيّة "التمديد"( من دون تعديل الدستور)، كمثل قوله: أكرم أباك وأمّك كي تطول أيّامك على الأرض… ". وسيكون جوابه: فات الأوان.
وكازانتزاكي هو الروائيّ الذي كتب "زوربا"، وترجم الأوديسّة و… والذي كانت حياته نشاطًا دائمًا، وعملًا متواصلًا، وإبداعًا متسلسلًا، وإنتاجًا هائلًا…
ومناسبة هذا الكلام ما قرأته في كتاب لطفيّة الدليمي" مملكة الروائيين العظام"حيث قامت بمحاورته عبر ميكروفون الأبديّة الافتراضيّ (ص٦٤) :
⁃ تكتب إيليني(زوجة الكاتب وقد كتبت سيرته) أنّك لبثت تردّد في أيّامك الأخيرة، وأنت تعاني من الليوكيميا: يا إلهي، أرجوك مُدَّ عمري عشرَ سنوات أُخَر لأُكملَ أعمالي؛ فمازالت في داخلي كتبٌ كثيرة لم أكتبها بعد…
⁃ وأكثر من ذلك كنتُ أتمنّى الجلوسَ على قارعة الطريق لأتسوّل من كلّ عابر سبيل ربع ساعة، بما يكفي لإنهاء أعمالي. (إنتهى الاستشهاد).
لا شكّ عندي في أنّ كلّ من يعرف أهميّة هذا " الشحّاذ" سيقول في نفسه: ليته استطاع تسوّل عشر سنوات. بل ليته استطاع التمديد إلى ما شاء الله، لكان أتحف البشريّة بما لا يقدّر بثمن.
ولكن، في الوقت عينه، نخاف أن يشكّل نجاحه "سابقة"، يستند إليها "الشحّاذون" البارعون عندنا، وما أكثرهم! ليمدّدوا إقامتهم في مواقعهم، ويكملوا رسالتهم في شفط خيرات هذا البلد المنهوب، و"يصفّروا" مدّخراتنا، وجنى أعمارنا.
"لا مفرَّ من رؤية نصف الكوب الفارغ، أيضًا."
*** كاتب، روائيّ، مترجم، ومؤلِّف تربويّ