#الثائر
يحتفظ رئيس المجلس النيابي نبيه بري لنفسه بآلية التحرك التي يفترض أن يتّبعها فور انتهاء عطلة الأعياد لترجمة ما تعهَّد به؛ بأن يبقى انتخاب رئيس الجمهورية شغله الشاغل لإخراج انتخابه من التأزُّم، مع أن هناك مَن يرهن تحركه بما ستؤول إليه الاتصالات لتهيئة الظروف السياسية أمام انعقاد اللجنة الخماسية المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، لعلها توفر الدعم المطلوب لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، إلى بيروت، الشهر المقبل، سعياً وراء تثبيت ترجيحه للخيار الرئاسي الثالث ليأخذ طريقه إلى التنفيذ، بذريعة أن هناك صعوبة أمام المرشحَيْن؛ رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، والوزير السابق جهاد أزعور، في الحصول على الأكثرية النيابية لضمان فوز أحدهما.
فعودة لودريان للقيام بجولة رابعة على رؤساء الكتل النيابية، كما تعهَّد في زيارته الأخيرة، ما زالت قائمة، لكن موعدها لم يُحدَّد بعد، وربما ينتظر اجتماع اللجنة الخماسية وما ستقرره في حال انعقادها، ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه، وهذا ما ينسحب أيضاً على الموفد القطري، في ضوء الحديث عن استعداده لمتابعة مهمته.
وتترقّب مصادر سياسية مواكبة عن كثب للجهود الرامية لإخراج انتخاب الرئيس من التأزُّم الذي يحاصره، ما سيحمله لودريان في جعبته من أفكار لإعادة تحريك الملف الرئاسي، وما إذا كان سيوضع في ثلاجة الانتظار إلى ما بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة بين حركة «حماس» وإسرائيل، خصوصاً أنه كان تعهَّد أمام رؤساء الكتل النيابية الذين التقاهم في جولته الأخيرة بأنه سيعود في الشهر الأول من العام المقبل.
وتسأل المصادر السياسية ما إذا كان لدى لودريان القدرة على فك ارتباط الملف الرئاسي بما ستنتهي إليه الحرب في قطاع غزة، وبالتالي كيف سيتصرّف «حزب الله»، ومدى استعداده للانخراط في الجهود الرامية لوضع انتخاب الرئيس على نار حامية، رغم أن نائب أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، شدد، في خطابه الأخير، على وجوب إعطاء الأولوية لإيجاد حل لإنهاء هذه الحرب؟
وتلفت إلى أن مجرد عودة لودريان إلى بيروت تعني (في حال انعقاد اللجنة الخماسية قبل مجيئه) أنها جددت توفير الغطاء السياسي لمهمته، وتحديداً بالنسبة إلى ترجيحه للخيار الرئاسي الثالث، انطلاقاً من قناعته بأن هناك ضرورةً للمجيء برئيس لديه المواصفات التي كانت حددتها اللجنة لإنقاذ لبنان، وتؤكد أن عامل الوقت لن يكون لصالح إنجاز الاستحقاق الرئاسي إذا ما تقرَّر تمديد الشغور الرئاسي إلى ما بعد انتهاء الحرب في غزة.
وتعود المصادر نفسها للسؤال عن إمكانية انتخاب الرئيس مع استمرار المواجهة العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية، ما دامت مرتبطة بالحرب المشتعلة في غزة، وتأتي في سياق مساندة الحزب لحركة «حماس»، وتقول: كيف سيكون حال الرئيس المنتخَب؟ وهل في وسعه الانتقال بلبنان، ولو على دفعات، من التأزم المعطوف على حالة عدم الاستقرار في الجنوب إلى مرحلة التعافي، ولو أن الجبهة الجنوبية تبقى على حالها ولن تتدحرج نحو توسعة الحرب؟
وترى أنه من السابق لأوانه حرق المراحل، ولا بد من التريُّث للتأكد، في حال حسم لودريان أمره وقرر العودة إلى بيروت، من أن انتخاب الرئيس لن يُدرج مجدداً على لائحة الانتظار، ويمكن تحييده عن الحرب في غزة، وهذا ما يضع «حزب الله» أمام خيار يصعب عليه اتخاذه بسهولة، ما لم يقرر عدم ربط الجنوب بالوضع الذي يمكن أن تستقر عليه غزة.
وإلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في حال حسم لودريان أمره وعاد إلى بيروت حاملاً في جعبته مجموعة من الأفكار الجديدة رسمتها اللجنة الخماسية التي لا يزال أركانها يتشاورون تحضيراً لاجتماعها المرتقب، إذا ما ارتأت أن هناك ضرورةً لانعقادها، فإن فرنجية ماضٍ في ترشحه لرئاسة الجمهورية في وجه مَن ينافسه، وتحديداً قائد الجيش العماد جوزف عون الذي ما زالت حظوظه مرتفعة بعد التمديد له، وإن كان لم يترشّح حتى الساعة، رغم أن هناك من المعارضة مَن يرشّحه، وكان اسمه في عداد اللائحة التي اقترحها الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، إلى جانب أزعور والنائب السابق صلاح حنين.
وقد حضر الملف الرئاسي على طاولة اللقاء الذي عُقد بين رئيس «التقدمي» و«اللقاء الديمقراطي» تيمور جنبلاط، في حضور النواب طوني فرنجية، وأكرم شهيّب، ووائل أبو فاعور، والوزير السابق يوسف سعادة، وأمين سر «التقدمي» ظافر ناصر، ومستشار جنبلاط الابن حسام حرب، إلى جانب تعيين رئيس للأركان الذي قوبل بتفهُّم وتأييد من «المردة»، بخلاف التباين في مقاربتهما للملف الرئاسي.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مقرّبة من الذين شاركوا في اللقاء أن الأجواء كانت إيجابية، وأن فرنجية (كما نقل عنه زواره) ماضٍ في ترشُّحه لرئاسة الجمهورية، وليس في وارد الانسحاب، وأن أحداً لم يطلب منه عزوفه عن الترشح.
كما نقل هؤلاء عن فرنجية تأكيده أن قراره نهائي ولن يعيد النظر فيه، وأن الحرية متروكة للنواب في اختيار مَن يريدون، نافياً في الوقت عينه أن تكون هناك جهة إقليمية أو دولية وضعت «فيتو» على انتخابه، وهذا ما سمعه مباشرة عن لسان السفراء من عرب وأجانب. ويتوقف فرنجية أمام قول عدد من زواره إن المرشح لرئاسة الجمهورية يجب أن يحظى بتأييد واحدة من كبرى الكتل النيابية المسيحية.
ويبقى السؤال: هل لا يزال فرنجية يراهن على دور لـ«حزب الله» في إقناع باسيل بأن يعيد النظر في موقفه لجهة انخراطه في تأييده؟ خصوصاً أن تقاطعه مع المعارضة على تأييد أزعور قد يكون من الماضي، نظراً لبلوغ اشتباكه السياسي مع حزب «القوات اللبنانية» وقوى معارضة أخرى ذروته، على خلفية تأييدهم التمديد لقائد الجيش الذي يتعامل معه الفريق المعارض على أن حظوظه الرئاسية ما زالت مرتفعة، وقد يكون المرشح الأبرز لمنافسة فرنجية، الذي نقل عنه زواره استمراره في المعركة «حتى لو بقيتُ وحيداً».
محمد شقير - الشرق الاوسط