#الثائر
- " اكرم كمال السريوي "
لقد أعلن نتنياهو ثلاثة أهداف للحرب على غزة:
١-إعادة جميع الرهائن والأسرى
٢- القضاء على حماس
٣- ضمان أن غزة لن تُشكّل تهديدا لإسرائيل في المستقبل.
وبعد أكثر من 50 يوماً من القصف والدمار، الذي جعل غزة منكوبة، وقتل أكثر من 15 الف مدني، غالبيتهم من الاطفال والنساء، وافقت حكومة الحرب الإسرائيلية على هدنة مؤقتة وصفقة تبادل الأسرى مع حماس.
صحيح أن الهدنة مؤقتة وهشة وضعيفة، ولم ينطق الأمريكي بعد كلمة وقف اطلاق نار شامل، لكن هذه الهدنة انطلق التفاوض بشأنها في 22 اكتوبر الماضي، واشترطت يومها حماس تاجيل الهجوم البري، لكن إسرائيل رفضت وبدأت عمليتها البرية في 27 منه.
استمر التفاوض شهراً، وجاءت الموافقة الإسرائيلية على الهدنة، بعد أن صمدت حماس، كل هذه المدة، وفشل الجيش الإسرائيلي في إحكام سيطرته على شمالي القطاع، وتحرير الرهائن، وما زال اليوم يتهيب الدخول إلى الأماكن المكتظة، حيث بدا واضحاً تململ الضباط والجنود الاسرائيليين، وحالات رفض الأوامر والهرب داخل صفوف الجيش.
والسبب الثاني هو اقتناع الإسرائيليين باستحالة إعادة الأسرى أحياء بالقوة، خاصة بعد توارد أنباء عن وفاة بعضهم بسبب القصف الإسرائيلي على القطاع.
أمّا السبب الثالث: فكان الضغط الشعبي على حكومة نتنياهو، أولاً داخل إسرائيل، من قبل أهالي الأسرى، وثانياً الرأي العام العالمي، الذي انقلب بشكل كبير في معظم دول العالم.
ففي حين حظيت العملية العسكرية الإسرائيلية في بدايتها، بدعم أكثر من 75% ، انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 30% اليوم، وعمّت المظاهرات المنددة بانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الانساني، وعمليات الابادة الجماعية واستهداف المدنيين، معظم عواصم العالم، خاصة الدول الغربية، التي كانت على مدى أعوام مؤيدة لإسرائيل، وأصبح حوالي 90% من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، من مؤيدي الحقوق الفلسطينية وحل الدولتين.
أمّا على المستوى السياسي، فإن أمريكا الدولة الوحيدة التي يمكنها التأثير على إسرائيل، فهي أيضاً تبدي تحولاً في الموقف من الحرب على غزة ،وتبدو إدارة الرئيس بايدن مستعجلة على وقف الحرب قبل نهاية العام الحالي، لأنها بدأت تشعر بأن استمرار الحرب سيؤثر عليها سلباً في الانتخابات المقبلة، التي تبدأ دورتها الأولى في شباط القادم، والسبب في ذلك هو الانتقادات المتزايدة لبايدن، على دعمه الحرب، من قبل أعضاء فاعلين في الحزب الديموقراطي، وكذلك بسبب احتمال استخدام الجمهوريين هذا الموضوع لصالحهم.
تسعى قطر بدعم أمريكي إلى تحويل الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لاطلاق النار في غزة، ويعمل على ذلك رئيس وكالة المخابرات الامريكية المركزية وليام بيرنز، والتقى لهذه الغاية رئيس جهاز الموساد دافيد برنياع، الذي تحدث عن سعيه لصفقة واسعة لتبادل الأسرى مع حماس.
نجح نتنياهو بتحقيق هدفه الأول من الحرب على غزة، وهو اخماد الاحتجاجات ضد حكومته، والتي كانت تعم إسرائيل، بسبب تقليص صلاحية المحكمة العليا، وهو يطالب اليوم بفترة سماح له، لتحقيق السلام لإسرائيل كما يقول.
سينجح نتنياهو بتحقيق الهدف الأول المعلن للعملية العسكرية، أي إعادة الأسرى، لكن من خلال عملية التبادل، وليس بالقوة كما أعلن في بداية العملية، وهو طبعاً يستطيع تحقيق هدف ثانٍ بأن لا تشكّل غزة مصدر خطر مستقبلي على إسرائيل، لكن تحقيق ذلك يحتاج إلى وقت طويل، والأهم أنه لن يحصل سوى عبر طاولة مفاوضات، ووالتي ستفرض على إسرائيل الالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، القاضية بإعادة حقوق الفلسطينيين، والاعتراف بحقهم بإقامة دولتهم (منزوعة السلاح) وتقرير مصيرهم.
اما الهدف الثالث أي القضاء على حماس، فهذا يستحيل تحقيقه الآن، لأن المقاومة الفلسطينية تزداد قوة ووحدة بعد كل عدوان إسرائيلي، وبعكس رغبة نتنياهو والمتطرفين الإسرائيليين، فإن قتل الفلسطينيين يزيد من تمسكهم بخيار المقاومة، ويرفع نسبة الكراهية لإسرائيل.
والنقطة المهمة من ناحية عسكرية، أن أي استئناف للقتال في غزة، لا يمكنه حسم المعركة بسرعة، وستتكبد إسرائيل خسائر أكبر كلما توغلت داخل الأحياء المكتظة في مدن شمالي القطاع، التي فشلت في السيطرة عليها، بعد أكثر من سبعة أسابيع من القصف والقتل والمعارك الدامية.
أما اقتحام جنوب غزة، فسيكون أكثر دموية، خاصة بعد أن نزح إليه ما يزيد عن 800 الف فلسطيني من شمال القطاع، إضافة إلى تمركز القوة الرئيسة لحماس وفصائل المقاومة هناك.
فلا يمكن لزعماء الدول الغربية، وبايدن بشكل خاص، الاستمرار بتغطية مزيد من المجازر الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين، فالوقت أصبح داهماً على الإدارة الأمريكية، والضغط الشعبي بات مقلقاً.
أما حماس فيبدو أنها ستحقق ما وعدت به من تحرير للأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، والأهم أنها باتت تحظى بشرعية كبيرة، ليس في غزة فقط، بل بين سكان الضفة، والأهم أنها ستسجل فشل إسرائيل العسكري، بمثابة نصر لها ولفصائل المقاومة، وستصبُّ أي تسوية مستقبلية في مصلحة حماس، لكن هذا لا يعني أن حماس ستتسلم السلطة في فلسطين لأن النصر في الميدان شيء، واستخدامه في السياسة شيء آخر.
يبدو أن الأميركيين مصرّون على استبعاد إيران عن طاولة المفاوضات التي ستعقد بعد الحرب، ولم تكن عملية تأخير اعطاء التأشيرة لوزير الخارجية الإيراني، التي منعت حضوره الاجتماع الذي عقد في الأمم المتحدة لمجلس الأمن بشأن غزة أمس الاربعاء، مصادفةً، بل على الأرجح مقصودة تماماً.
أما عن فاتورة الدم والدمار الهائلة في غزة، التي يريد الإسرائيلي تحميلها لحماس، فيبدو أنه فشل في ذلك لأن المجتمع الدولي بات يحملها لنتنياهو نفسه، وسيجعلها سبباً لمقاضاته أمام محكمة الجنايات الدولية.
مبروك النصر لحماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، وإن غداً لناظره قريب.