#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لا أحد يخوض الحرب من أجل الحرب، فلِكلِّ حربٍ أسبابها وأهدافها وعدتها ومواقيتها، وقبل كل شيء خسائرها طبعاً.
فمن يخطط للحرب عليه أن يحسب كل شيء بدقة متناهية، كي لا تنقلب الأمور ضده، ويحصد الفشل والندم بدل ابتسامة النصر.
الأهم من كل ذلك أن الحرب لا تقتصر على المعارك العسكرية في الميدان، ولن يكون الميدان وحده الذي يحسم نتائج الحرب، بل إن مرحلة ما بعد الحرب، قد تفوق بأهميتها مراحل القتال، وشلالات الدم المتدفق.
ليس سهلاً أن تعلم مسبقاً كيف سيكون ميزان الأرباح والخسائر لأي حرب، فإذا كانت الآلة العسكرية قادرة على حسم نتائج الميدان، فهي حتماً عاجزة عن حسم النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك.
تملك إسرائيل تفوقاً في عدة أسلحة، خاصة سلاح الطيران، ولديها قدرة هائلة على التدمير والقتل، وها هي في غزة حولت المدن والقرى إلى خرائب وأطلال، وترتكب كل يوم مزيد من الجرائم والمذابح بحق مدنيين أبرياء، وأطفال لا ذنب لهم، ولم يروا من هذه الحياة شيئاً بعد.
وكان سبق لإسرائيل في حروبها على لبنان، أن دمرت وقتلت وارتكبت المجازر، وفي نهاية المطاف خرجت مهزومةً ولم تحقق شيئًا من أهدافها، بل على العكس، جاءت معظم النتائج على غير ما اشتهى وأراد قادتها.
واليوم السؤال الكبير ماذا يمكن لإسرائيل أن تجني من حربها مع لبنان؟؟؟
تقتل! تدمّر! تقطع الطرق! وتهدم البيوت! تحاصر ؟؟ وماذا بعد؟؟؟
صحيح قد يتعرض لبنان لكل هذا، لكن إسرائيل ستتحمل خسائر كبيرة في مجالات عدة.
أولاً هي ستظهر أنها غير قادرة على تحقيق نصر حاسم، ولن يجرؤ جيشها على اقتحام الأراضي اللبنانية، فثمن ذلك سيكون باهضاً جداً في الأرواح والمعدات، ثم سيكون السؤال الكبير، وهو كم يستطيع هذا الجيش أن يمكث في لبنان، ويتحمل من ضربات مقاوميه، فيما لو استطاع أن يدخل لكيلومترات قليلة؟؟؟
أولم يخرج هذا الجيش مذلولاً من هذه الأرض من قبل؟؟؟ وهل نسي قادته ما حل بهم من ويلات؟؟؟
في مراجعة بسيطة للتاريخ القريب، الذي لم يتسنى لقادة إسرائيل نسيانه بعد، يمكن أن يدركوا أن حربهم على لبنان عبثية، بل أكثر من ذلك فإن خسائرهم ستفوق أرباحهم بعشرات المرات، وأن المقاومة اليوم باتت تملك من الخبرة والمعدات، ما يفوق بمرات عديدة كل ما كان لديها من قبل، وباتت جاهزة على إلحاق خسائر كبيرة بجيش العدو، وبكل قطاعاته ومستوطناته ومدنه، وليس هذا وحسب بل ستتم محاسبة قادة إسرائيل من قبل الإسرائيليين أنفسهم، وسيكون مصيرهم أسوأ من مصير سابقيهم، فيما لو ارتكبوا مزيداً من الأخطاء.
لقد سقط نتنياهو في فخ الانتقام والحقد والكراهية، ولن ينجو من معركة غزة، التي ستنتهي بفشل ذريع ولن يحقق فيها أياً من أهدافه، فلا هو قادر على احتلال غزة، ولا قادر على تهجير وإبادة أهلها، ولا حتى على إعادة الأسرى الاسرائيليين، وسيرضخ في نهاية المطاف إلى مطالب حماس والشعب الفلسطيني، الذي يدافع عن أرضه.
وربما أكثر ما بات يخشاه نتنياهو الآن، هو اليوم الذي يلي صمت المدافع على غزة!!!
ومن لا يصدق فلينظر إلى صرخات أطفال غزة ونسائها ورجالها، وهم يقولون بصوت واحد: "نموت هنا ولا نرحل"!!!
بينما سارع المستوطنون الذين قدموا من أصقاع العالم إلى مغادرة أرض، لا يربطهم بها شيء، سوى ما قدّمته لهم حكومة إسرائيل، من إغراء بمسكن مجاني، وبعض المال، وأراضٍ مصادرة ومغتصبة، لن يتخلى عنها ولن يسامح بها أصحابها الأصليون من شعب فلسطين.
لن تجرؤ إسرائيل على إقحام جيشها في لبنان، وهي إن فعلت، تدرك جيداً أنها ستكون أول الخاسرين.