#الثائر
د. ناصر زيدان - الانباء
بينما يسير الموسم السياحي في لبنان على أفضل حال، ولم تحصل أي حادثة تسيء الى الوافدين لقضاء العطلة في ربوع الوطن الجميل، ينتاب القلق الأوساط السياسية والديبلوماسية والشعبية من بعض مظاهر التفلت الأمني، والمؤشرات تدل على أن الأمور لن تستمر على هذه الوضعية من الاستقرار إذا بقي تعامل المسؤولين السياسيين والأمنيين والقضائيين مع الوقائع المؤلمة على الشاكلة الموجودة حاليا.
وسواء كانت مظاهر الإخلال بالأمن وتهديد السلامة العامة ناتجة عن تقصير المعنيين بالمعالجة، أو إذا كانت جراء مخطط مرسوم فإن النتيجة ذاتها، فالمخاطر تتوسع يوما بعد يوم، وقد نصل الى وضعية لا يمكن التحكم بنتائجها، لأن الأوضاع المعيشية الصعبة للبنانيين، ووجود مئات الآف النازحين الذين يعيشون في حالة من الفوضى وبظروف قاسية يشكلان بيئة حاضنة للأعمال المخلة بالأمن، ويساعد في ذلك تراجع أداء النيابات العامة ونجاح بعض محاولات الإفلات من العقاب لمرتكبين ومجرمين.
ويبدو أن قرار ضبط الوضع الأمني متخذ من أعلى المستويات السياسية والعسكرية. وقيادات الأحزاب المختلفة تتمسك بهذا القرار، بما في ذلك حزب الله الذي يعتبر عمود الرحى في المعادلة الأمنية، لأنه الوحيد الذي يملك سلاحا خارج إطار منظومة الأجهزة الشرعية والجيش. لكن الهشاشة الإدارية التي تعيشها البلاد جراء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى وفي بعض المؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية الأخرى لا تساعد في حماية السلم الأهلي الى أمد طويل، خصوصا لكون الفراغ طال رئاسة أركان الجيش وربما حاكمية مصرف لبنان، ومجلس القضاء الأعلى شبه معطل، او انه في سبات عميق.
مظاهر الإخلال بالأمن تزايدت في المدة الأخيرة، وهي بالتأكيد تبرر حال القلق القائمة. وأبرز هذه المظاهر: قيام مجموعات متنافسة في العاصمة والضواحي وبعض المناطق تضع يدها على مرافق حيوية من دون أي مسوغ شرعي، كخدمات الانترنت وكهرباء المولدات ومكاتب المراهنات ولعب القمار، وتمارس التزوير وأعمال التجارة بالأعضاء البشرية وتنفذ عمليات تشليح واغتصاب وترويج للمخدرات، وغالبية هؤلاء لا يعيرون خشية كبيرة للقوى المولجة ضبط هذه المخالفات وردع القائمين بها، والجرأة التي يتصرف بها بعض المرتكبين أقلقت المرجعيات الروحية والسياسية كافة، بما في ذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أعلن عن رفع الغطاء عن الملاحقين، لأنهم تمردوا على نفوذ حزبه في مناطق حساسة، وبدأت الخلافات العائلية والحزبية تهدد الاستقرار في مناطق نفوذ الثنائي الشيعي بالتحديد.
وما زاد الطين بلة حصول بعض الاعتداءات الجسدية التي طالت اعلاميين ورجال دين وسياسيين وأطباء وموظفين عموميين ونساء وأطفالا من دون أن تقوم النيابات العامة بإجراءات ردعية كافية، لكون بعض هذه الأعمال تمس الأمن الوطني والاستقرار العام، وقد تؤدي الى فتنة بين المكونات اللبنانية، وقد حصل بعضها على مرأى من عامة الجمهور، وبالتالي فمن واجبات النيابات العامة أن تتحرك تلقائيا، وفي هذه الحالة لا تحتاج ملاحقة المرتكبين لشكوى او ادعاء. وقد تركت هذه الأحداث انطباعا لدى العامة من الناس بأن بعض المرتكبين يتصرفون كأنهم فوق القانون، وهو ما دفع بعدد من المعنيين والمواطنين الى التفكير جديا في اتخاذ تدابير خاصة تكفل حمايتهم الشخصية، وهذا الإجراء بمنزلة سلاح ذي حدين يزيد من منسوب القلق على الوضع الأمني، وقد يؤدي الى فرض ما يشبه شريعة الغاب.
ومن المؤكد أن الجيش وقوى الأمن يقومان بجهود جبارة لحفظ الاستقرار في ظل ظروف معيشية قاسية يعيشها ضباط وأفراد هذه المؤسسات وعائلاتهم جراء تدني أجورهم. بالمقابل، فإن جهود هؤلاء وحدها لا تكفي من دون مواكبة من السلطة القضائية التي تعتبر الركن الأساس في معادلة فرض الانتظام العام وحماية الحريات وتحقيق العدالة.