#الثائؤ
تحتاج قراءة مفاعيل عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة إلى الكثير من التدقيق في خلفياتها وأبعادها، خصوصاً في ظل التطورات المختلفة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط . ولابد للعنوان الأول لأي قراءة أن ينطلق من الإعلان عن الاتفاق الإيراني ـ السعودي برعاية صينية، والذي أزعج على ما يبدو الكثير من الأطراف في الإقليم خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن في المقابل حسب "الجريدة"، يدور الكثير من الكلام المبني على جزء من الوقائع وجزء من التحليل بأن هناك جهات موالية لإيران أيضاً تبدو منزعجة من هذا الاتفاق. قبل أيام، كشفت «الجريدة» عن اعتقالات في إيران حصلت لمسؤولين إيرانيين ولبنانيين ويمنيين هدفوا إلى تخريب هذا الاتفاق وتعطيله، وهو ما يدل على وجود تباين في الآراء وفي وجهات النظر.
ووفق المسار الواضح تظهر ثابتة أساسية وهي التضرر الإسرائيلي من مفاعيل هذا الاتفاق، والذي من شأنه أن يعكس تهدئة إقليمية تبدأ ملامحها في اليمن من خلال الذهاب إلى توقيع الاتفاق السياسي، وستشمل فيما بعد ملفات عديدة بينها العراق وسورية ولبنان. وقوبلت هذه التهدئة بتصعيد إسرائيلي في الداخل الفلسطيني، وبتصعيد إسرائيلي في سورية من خلال تكثيف الغارات على مواقع للإيرانيين ولـ «حزب الله» هناك، بينما كان المؤشر الأهم هو الاشتباكات التي اندلعت بين قوات إيرانية وأخرى أميركية في شمال شرق سورية.
تلك الاشتباكات كانت في حد ذاتها إشارة واضحة إلى تصعيد أميركي ضد الإيرانيين، لتبدو وكأنها استفاقة أميركية متأخرة لمواجهة إيران في سورية. هنا لا يمكن إغفال العقوبات التي فرضت أخيراً أميركياً وأوروبياً على النظام السوري أيضاً، كرسالة اعتراضية على أي مسار لتطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري، علماً بأن مساعي التطبيع كانت تجري بناء على تحركات إيرانية وروسية وبالتالي لا يناسب واشنطن بالتأكيد أي انفتاح عربي على دمشق برعاية روسية ــ إيرانية، كما لا يناسبها الاتفاق السعودي ــ الإيراني برعاية صينية. يفرض ذلك واقعاً سياسياً جديداً، ففي مقابل التهدئة على الجبهات الإيرانية ــ السعودية، برز تصعيد على الجبهة الإسرائيلية ـ الأميركية ضد إيران أو ضد حلفائها في المنطقة. وتحت هذا السقف، جاءت رسالة الصواريخ انطلاقاً من لبنان، كمحاكاة لهذا التصعيد الإسرائيلي ـ الأميركي، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول الحيثيات والخلفيات.
فأولاً، عملية إطلاق الصواريخ هي تثبيت لمعادلة «وحدة الجبهات» التي تحدث عنها «حزب الله» سابقاً. وثانياً، هي تكريس لتفعيل غرفة العمليات العسكرية المشتركة التي تضم فصائل قوى المقاومة. أما ثالثاً والأهم فيبقى متعلقاً بالسبب الكامن وراء هذه العملية وإذا ما كان يرتبط بمحاولة للالتفاف على الاتفاق السعودي ـ الإيراني وتقويضه أيضاً. وعلى وقع هذا الكلام، تم تسريب معلومات عن اتصالات دبلوماسية قامت بها جهات عديدة بينها الأمم المتحدة، ومصر، وقطر لمنع التصعيد وتدهور الأوضاع، كما أنه تم تسريب معلومات بأن «حزب الله» أعلن عدم مسؤوليته عن هذه العملية، وهذا في حد ذاته إشارة كافية للإعلان عن الالتزام بالهدوء وعدم الذهاب إلى حرب من شأنها أن تعطّل مفاعيل الاتفاق السعودي ـ الإيراني.
وأمس، أعلنت البحرية الأميركية، أن غواصة «فلوريدا» التي تعمل بالطاقة النووية، ومزوّدة بصواريخ موجهة من طراز توماهوك، بدأت العمل في الشرق الأوسط، دعماً للأسطول الخامس الأميركي الذي يتخذ من البحرين مقراً له. وكانت واشنطن أعلنت قبل أيام التمديد لحاملة الطائرات بوش في المنطقة بعد الهجمات التي تعرضت لها قواتها في سورية. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن مسؤولين أميركيين أن معلومات استخباراتية لديهم تفيد بأن إيران تهدف لتنفيذ هجمات في المنطقة قريباً.