#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لم يُخفِ الرفيق أبو صالح انزعاجه اليوم، حتى أنه نسي مئزر "شرواله" في البيت، وربطه على عجل، ووقف في باب دكانه ينتظرنا، فهو لا يطيق الصمت طويلاً، عندما يكون لديه خبرٌ هام.
سلّمنا عليه، ولفت انتباهنا، أنه أزال الساعة من فوق باب الدكان، وهي ساعة كبيرة، كان يهتدي بها سكان القرية، ويُنظّمون على أساسِها، توقيتات أعمالِهم ومواعيدِهم.
ولا يوجد في القرية سوى ثلاث ساعات؛ ساعة المعلم طنوس في "الحارة الفوقا"، وساعة الشيخ عباس في "الحارة التحتا" وهما ساعتان تعملان على الهواء، وتدوران وفق اتجاه الريح، لذا يعتمد عليهما سكان القرية لمعرفة أحوال الطقس، ومواعيد الغيث والثلوج والعواصف، وأيام الحر والقحط والجفاف، وما إلى ذلك.
أما ساعة ابو صالح، فتعمل على توقيت "بيغ بن" ، ومرتبطة مباشرة بالإنترنت العالمي، وهي الأكثر دقة.
سألنا الرفيق "ابو صالح" أين الساعة؟ فقال:لقد كسرتها.
وأضاف: اختلف أهل القرية على موعد بدء العمل بالتوقيت الصيفي، الذي نتبعه في هذا الوقت من السنة ومنذ سنوات، فالشيخ عباس، "شيخ أريزونا الحارة التحتا" ، يرى أن لا فائدة من تقديم الساعة، ويرى أن ذلك يخربط ساعة الإنسان البيولوجية، ويتلاعب بالأعمار، ثم أن عنزته ستلد، وهو ينتظر ذلك منذ الخريف الماضي، على التوقيت الشتوي، وإن تقديم الساعة "سيخربط" حسابات الولادة، وقد لا يعرف متى ستلد العنزة.
أما طنوس سيّد شيكاغو "الحارة الفوقا" فيريد أن يُقدّم الساعة ويستشهد بقول بنجامين فرنكلين «النوم المبكر والاستيقاظ المبكر يجعل الرَّجل صحيحاً وغنياً وحكيماً»،
والأهم من ذلك أنه اتفق مع راعٍ لبقرته، يومياً من الساعة السابعة حتى العاشرة، ويريده أن يبدأ عمله باكراً، فالبقرة تجوع كلما تأخر الوقت وتبدأ بالخوار.
وهكذا انقسم أهل القرية بين؛ عنزة الشيخ عباس، وبقرة طنوس، وبدأ كل واحد منهم يُقدّم الحجج والبراهين والأدلّة على صوابية وصحّة رأيه وخياره.
فيقول مؤيدو الشيخ عباس: أن التوقيت الصيفي هو نوع من تغيير العادات، وطعن للأجداد، ويضر بمواقيت الرعي والولادة للمواشي، وكذلك بالزرع والحصاد، وأن معظم دول العالم تخلّت عن التوقيت الصيفي، واعتمدت توقيتاً واحداً، وأن الدول القريبة من خط الاستواء، لا تحتاج إلى تبديل التوقيت، كدول مدار الجدي، وأن التوقيت القياسي أفضل من التوقيت الشمسي، ويستشهدون بأريزونا الأصيلة التي رفضت تغيير التوقيت.
أمّا مؤيدو طنوس فيقولون: أن تقديم الساعة يكسبنا وقتاً إضافياً للاستفادة من ضوء النهار، وإنهاء العمل باكراً، وقضاء أوقات راحة أطول، ووقت أبكر للرعي وجني المحاصيل، والاستفادة من نشاط العمال الصباحي، ويستشهدون بشيكاغو المزدهرة، بفضل اعتمادها التوقيت الصيفي، وبألمانيا التي كانت أول من اعتمد تقديم الساعة، في بداية نيسان ١٩١٦.
ويتابع ابو صالح سرده ويقول: تعلمون الانتخابات البلدية والاختيارية على الأبواب، ومختار القرية يريد الترشح من جديد، ويحتاج إلى أصوات أريزونا التحتا، أما المرشح لرئاسة البلدية، فيحاول جذب أصوات شيكاغو السيد طنوس.
فالخلاف بات على أشدّه، وأصبح يهدد الاتحاد بين إلينوي (شيكاغو) وأريزونا الأصيلة، وأنا عالق في الوسط، ولي مصلحة مع الطرفين، فلو تركت الساعة على التوقيت الشتوي، سيتركني سكان الحارة الفوقا، وإن قدّمتها سيهجر دكاني جماعة الشيخ عباس، لذا كسرتها وتخلصت منها، لأحافظ على علاقتي مع جميع أهل القرية.
فقلنا له: حسناً فعلت يا رفيق ابو صالح، فكسر الساعة أهون من كسر الخواطر، ولا نحسدك على أهل قريتك، فيبدو أن "التوقيت" : "مش رمانة، بل قلوب مليانة".