#الثائر
- " أكرم كمال سريوي "
لم يعد السؤال هل ستقع حرب جديدة في لبنان، بل أصبح متى ستقع الحرب، ويتبع لبنان خطى ليبيا وسوريا واليمن، وغيرها من نماذج الربيع العربي الحارق، ومشاريع الفوضى الخلاقة؟؟؟
بعد عام على الحرب في أوكرانيا يُجمع المحللون والسياسيون العقلاء، على أنه كان بالإمكان تجنّب تلك الحرب، ويعترف قادة غربيون كبار، بأنه تم دفع أوكرانيا إلى هذه الحرب، وتم تدريب وإعداد جيشها لهذه الغاية منذ سنوات.
لكل حرب؛ منظّرون، ومخططون، ومستثمرون، وممولون، وأدوات، وأهداف مرسومة بدقة تامة.
إن تصريحات بعض القادة الغربيين، تدحض مقولة، الدفاع عن الديمقراطية والسيادة والحرية ومصلحة الوطن.
فأين مصلحة أوكرانيا في كل ما حصل وسيحصل؟؟؟ ألم يكن أي حل سلمي، (ومهما كانت التنازلات) أقل تكلفة بعشرات بل بمئات المرات من هذه الحرب، التي راح ضحيتها مئات آلاف القتلى، وملايين المشردين والمهجّرين، وخسائر بأكثر من ترليون دولار؟؟؟
الآن يُقرُّ الجميع في الغرب، أن أمريكا دفعت أوكرانيا إلى الحرب مع روسيا، وبات واضحاً أن قرار وقفها لم يعد بيد الأوكرانيين.
اعترف فارس بويز علانية، أنه عندما كان مرشحاً للرئاسة عام ٢٠٠٧، سأله الرئيس الفرنسي حينها ساركوزي: "هل أنت مستعد لاستخدام القوة ضد حزب الله؟"
ويوضح بويز : أن هذا كان هو الشرط الأمريكي، لدعمه لمنصب الرئاسة.
كان يومها الانقسام اللبناني بين قوى ٨ و ١٤ آذار على أشدّه، ووقفت البلاد فعلاً على شفير الحرب، لولا حكمة بعض العقلاء، فانتهج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خطاً وسطياً، وجنّب الوطن الصغير حرباً كانت شبه حتمية، وتحمّل جنبلاط يومها من حلفائه، وحتى من بعض مناصريه، اتهامات بالتخوين والخوف والتنازل لحزب الله.
لكن جنبلاط الذي يعرف جيداً ما يمكن أن تفعله الحرب، وحجم المآسي التي ستتركها على اللبنانيين، فضّل البحث عن السلام، والحلول الممكنة لتجنّب الصدام.
المشهد اليوم يعود بنا إلى تلك الأيام، من الإنقسام الحاد والعناد والمكابرة، والتمترس خلف المصالح الحزبية والشخصية والشعبوية، ولا ينفكّ أصحاب الرؤوس الحامية، عن التحريض وتوجيه التُّهم، ورفع السقوف، والتحدّي للأخصام.
يرفع بعض قادة ١٤ آذار شعار "كسر حزب الله"، فخطاب اللواء أشرف ريفي يرتكز دائماً، على مهاجمة حزب الله، ووصفه بالإرهابي، والدعوة إلى مواجهته، واقتلاع النفوذ الإيراني من لبنان.
ولا يقل خطاب قائد القوات اللبنانية سمير جعجع حدّة عن خطاب ريفي، واليوم أطلق النائب سامي الجميل دعوة، لمواجهة ما سمّاه "خطر حزب الله".
في المقابل يرفض حزب الله بشكل قاطع التخلّي عن سلاحه، ويعتبر ذلك مطلباً إسرائيلياً، ويتّهم من يدعو إلى ذلك بالعمالة، ويؤكد أن سلاحه سلاح ردع، في مواجهة العدو الإسرائيلي، خاصة في ظل الظروف الراهنة ورفض القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تزويد الجيش اللبناني بأسلحة نوعية، تمكّنه من مواجهة الأعتداءات الإسرائيلية.
يعترف البعض بدور سلاح حزب الله في تحرير لبنان، وكذلك بدوره كقوة ردع في مواجهة إسرائيل، ويستبعد غالبية المحللين وقوع حرب بين حزب الله وإسرائيل، استناداً إلى نتائج حرب ٢٠٠٦ وفشل العدوان الإسرائيلي آنذاك في تحقيق أهدافه المُعلنة.
لكن ينقسم هؤلاء إلى فريقين:
فريق يريد تنظيم وجود هذا السلاح، ضمن ما يُسمّى بالاستراتيجية الدفاعية، في كنف الدولة.
وفريق آخر يريد نزع سلاح حزب الله بالقوة.
فالخطر الحقيقي على لبنان يكمن في أمرين:
أولاً في التناقض الحاد بين: فريق يدعو إلى نزع سلاح حزب الله بالقوة مهما كان الثمن، ورفض الحزب القاطع التخلي عن سلاحه مهما كلّف الأمر.
ثانياً: الدفع الأمريكي، غير الخفي بهذا الاتجاه.
ويترافق الموقف الأمريكي مع ضغوط اقتصادية، والتهديد بفرض عقوبات على لبنان، وعلى بعض المسؤولين السياسيين والشخصيات الاقتصادية فيه، ومن جانب آخر يُقدّم الأمريكيون وعوداً بالمساعدات، وتقديم مليارات الدولارات، للتخلّص من سلاح حزب الله.
لن يسأل الأمريكي عن عدد القتلى والضحايا والخسائر التي يمكن أن تخلّفها الحرب في لبنان، فالمهم بالنسبة للأمريكي تحقيق الهدف الاستراتيجي (نزع سلاح الحزب) بأي ثمن، وستقدّم أمريكا كل الدعم لكل من يؤيد مشروعها، وهي فعلت ذلك في الانتخابات النيابية الماضية، وتلقى بعض المرشحين في مواجهة حزب الله، أموالاً طائلة من سفارات عدة دول، معروفة للجميع، حتى أنه دُفع في بعض الأماكن، ٣ آلاف دولار ثمن الصوت الواحد لهؤلاء.
غير صحيح أن أمريكا مهتمة باستقرار لبنان، فالثابت الوحيد هو اهتمام أمريكي بأمن إسرائيل، ومن مصلحة إسرائيل اشتعال سوريا ولبنان، والإبقاء على طريق بري واحد، أمام دول الخليج إلى البحر المتوسط، عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحويل إسرائيل إلى بوابة العالم العربي نحو أوروبا والغرب.
لقد أقلعت أمريكا عن فكرة استخدام القوة الناعمة، لطول أمدها، وتراجع فعاليتها، وباتت تُفضّل حل الأمور بقوة السلاح والحرب، وهذا ما فعلته في كوسوفو، وأفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، واليمن، وأخيراً وليس آخراً في أوكرانيا.
شيء آخر تبدّل في الاستراتيجية الأمريكية، وهو اعتماد مبدأ القتال بالوكالة بدل التدخل المباشر، فالشعب الأمريكي بات لا يطيق فكرة التضحية بالجنود الأمريكيين، في أي بقعة في العالم، ومما لا شك فيه أن عودة جثامين بضع مئات من الجنود الأمريكين إلى أمريكا، ستكون كفيلة بالإطاحة بأي رئيس للبلاد.
وفق عدد من التقارير المخابراتية، لقد بات لبنان هو التالي على خارطة الحروب الأمريكية، وبعض حلفاء أمريكا في الخارج والداخل اللبناني، متحمّس جداً لهذا الخيار .
لن نسأل هؤلاء المنظّرين للحرب، والمستثمرين بها، كم سيبقى من المسيحيين في لبنان، بعد هذه الحرب؟؟؟
بل سنسأل: كم سيبقى من اللبنانيين؟؟ وماذا سيبقى من لبنان لتقتسموه أو لتحكموا فيه؟؟
الخطر الحقيقي الذي يجب على اللبنانيين مواجهته، هو دعاة الحرب والاقتتال، أكانو في الداخل أم من الخارج.
أما عن رئيس الجمهورية، فتذكّروا أنّه تقريباً بلا صلاحيات، وخطط الإصلاح والإنقاذ المالي والاقتصادي والسياسي، كلها من مهمات الحكومة، وبند الحل الأول في لبنان هو الحوار واتفاق القوى السياسية، وتوافق ونية صادقة في الحفاظ على لبنان وشعبه، والعمل بإخلاص للحفاظ على الأمن والاستقرار، وإنقاذ البلد من محنته، أمّا السعي الدؤوب لإرضاء السفارات والسفراء، وزج البلاد في أتون الحرب من جديد فهو خيانة عظمى.
#حمى الله لبنان