#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
من الواضح أن المشكلة الأساسية في تفسير وتطبيق الدستور اللبناني، هي في مقاربة ذلك من وجهة نظر سياسية، وليس من باب الفقه الدستوري والرأي القانوني.
صحيح أن الدستور لم يعالج كل التفاصيل بشكل دقيق، وبعض الأمور تحتاج إلى إيضاح وتعديل، لكن لو صفت النيات واحتكم الجميع إلى مقاربة دستورية قانونية، لسهُل إيجاد الحلول.
أناط الدستور عدة صلاحيات برئيس الجمهورية، منها توقيع وإصدار المراسيم، وطلبْ نشرها، ولعل أهم هذه المراسيم هي مقررات مجلس الوزراء، التي يحق لرئيس الجمهورية خلال ١٥ يوماً ، الطلب إلى المجلس، إعادة النظر بها، فإذا أصرّ المجلس عليها وجب على رئيس الجمهورية إصدارها.
أي أن الدستور فرض على رئيس الجمهورية، الأنصياع إلى القرارات التي يُصرّ عليها مجلس الوزراء، ويجب عليه إصدارها وطلب نشرها وفقاً للأصول حتى لو لم يكن موافقاً عليها.
في حال خلو سدة الرئاسة، أناط الدستور، في المادة ٦٢منه، صلاحيات الرئيس، وكالة بمجلس الوزراء. وهذا طبعاً يخلق تساؤلاً عمن يجب أن يوقّع المراسيم في هذه الحالة؟؟؟
يُصرّ التيار الوطني الحر على توقيع المراسيم، من قبل كافة وزراء الحكومة، فيما يرى الرئيس ميقاتي أنه يمكن إصدار المراسيم بتوقيعه وتوقيع الوزراء المختصين فقط.
للإجابة على السؤال، يجب تحديد المقصود بمجلس الوزراء، الذي أناط به الدستور، صلاحيات الرئيس، والاستناد إلى كيفية اتخاذ القرارات فيه لتحديد مَن يجب أن يوقّع على المراسيم وكالة عن رئيس الجمهورية.
المادة ٦٥ من الدستور، حددت كيفية اتخاذ القرارات خلال اجتماع مجلس الوزراء، ففي حال عدم الاتفاق يتم التصويت على القرارات، ويُتخذ القرار بأغلبية ثلثي الحضور، أمّا في المسائل الأساسية، فيحتاج القرار إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة.
تصدر المراسيم في الظروف العادية بتوقيع الوزراء المختصين، ورئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية، فمن يوقّع مكان رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة؟؟؟.
الجواب بسيط وواضح، فإن من آلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية، هو من يجب أن يوقّع المراسيم، مكان توقيع الرئيس.
هذا يعني أنه يجب أن يوقّع على المراسيم ، مجلس الوزراء، وفقاً لقاعدة اتخاذ القرارات في خلال الجلسات.
أي أنه يجب يوقّع على المراسيم العادية، ثلثي عدد الوزراء الذين يحضرون جلسة مجلس الوزراء، أما المراسيم المتعلقة بالمواضيع الأساسية، والتي عددتها الفقرة الخامسة من المادة ٦٥ من الدستور، فيجب أن يوقّع عليها ثلثي عدد أعضاء الحكومة، حتى ولو من خلال مرسوم جوال.
إن اشتراط توقيع كافة أعضاء الحكومة على المراسيم، في حال خلو سدة الرئاسة، أمر غير دستوري، ولا يتوافق مع مبدأ الديمقراطية في الحكم، القاضي بقبول الأقلية برأي الأكثرية، وهو يعطي لكل وزير حق الفيتو على أي قرار لمجلس الوزراء، وهذا نوع من تعطيل الحكم، وهو يناقض مبدأ استمرارية الحكم وتصريف الأعمال وشؤون الناس.
كما أنه ليس من الحكمة أن يقتصر توقيع المراسيم، في حال خلو سدة الرئاسة، على رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين فقط ،فالدستور لم يُعطِ صلاحية التوقيع، مكان الرئيس لهؤلاء، بل لمجلس الوزراء .
فهل يمكن مثلاً لرئيس الحكومة ووزير المالية، أن يوقّعا مرسوم رد قانون إلى المجلس النيابي (الكابيتال كونترول مثلاً)؟؟؟ وهذه صلاحية مناطة برئيس الجمهورية، وفق المادة ٥٧ من الدستور.
لا يجوز تعطيل مسار الحكم، ففي حالات الفراغ الحكومي أو الرئاسي، تستمر الحكومة (وفقاً للدستور) بتصريف الأعمال، ولكن ذلك يجب أن يتم وفقاً للدستور، وضمن حدود المفهوم الصحيح لتصريف الأعمال، والحفاظ على مبادئ الديمقراطية وعدم التعطيل.
ومن الجدير ذكره أن الدستور لا يمنع اجتماع حكومة تصريف الاعمال، شرط أن تكون قراراتها ضمن حدود تصريف الاعمال.
وهذا يعني وباختصار شديد، أن المرسوم في هذه المرحلة من الفراغ الرئاسي، يجب أن يوقّع عليه، على الأقل ثلثي عدد الوزراء، الذين يحضرون الجلسة، أما المراسيم في المواضيع الأساسية، فتحتاج إلى توقيع ثلثي عدد أعضاء الحكومة، وإلا تكون هذه المراسيم باطلة ومخالفة للدستور.