مقالات وأراء

دولة التسويات

2022 كانون الأول 04
مقالات وأراء

#الثائر

- " د. منصور اشتي "**

يقول المهاتما غاندي: " إنّ حبَّ الحقيقة-مهما كانت- قد علّمني جمالَ التسوية"، ويرى المعلِّم كمال جنبلاط بانه "يجب ألّا تكون التسوية في أي حال على حساب المبدأ..". أما في لبنان فالتسويات بعيدة عن معناها وهدفها الأصيل، فهي تأجيل لأزمة، إما تأجيل لحلٍ وطني حقيقي، أو ممكن أن تكون تأجيلاً لحرب.

في الدولة الوطنية الدستور والقوانين هي القاعدة الأساسية للحكم الرشيد، ضمن مبادئ العدل والمساواة والمواطَنة والأخوّة. في حين يتجاهل حكام لبنان وسياسيوه جميع تلك القواعد والمبادئ، مع جنوحٍ للتسويات (الصفقات) التي تؤمِّن مصالحهم الشخصيّة ومصالح طوائفهم، دون المصلحة الوطنية.

التسوية بين شخصين فعل توافق يجنِّب الصدام بينهما، وصولاً الى حل يرضي الطرفين. التسوية بين مكونات البلد الواحد تجنِّب الوطن الإنزلاق الى الفوضى والتفكك والحرب الأهليّة بين مجموعات غير متوافقة على نظامٍ سياسي تعيش في ظلِّه، وتؤدي التسوية الناجحة الى تغليب الإزدهار على التخلف، والإندماج على التفرقة، بشرط ان لا يطغى رأيٌ أو إرادةُ فريقٍ على فريقٍ آخر، تحت أي ضغط أو تهديد أو تهويل بقوةٍ أو سلاحٍ أو خلافَ ذلك.

وقد خبرنا من التجارب السياسية السابقة في لبنان ما أوصلتنا اليه التسويات الطائفيّة بمعناها النفعي والتحاصصي، أو كما نسميها التوافقية، وهي بعيدة عن مفهوم وأهداف ما تعارف على تسميته "الديموقراطيّة التوافقية"، والتي تشكّل مرحلة إنتقالية ما بعد أزمة سياسيّة أو حرب وما قبل مرحلة الديموقراطية التمثيليّة الحقيقية، وتحديداً في الدول التعددية. هذه التوافقية التي أضحت سبباً من أسباب تعطيل الدستور والقوانين وانتظام عمل المؤسسات.

التسويات ومنذ انتهاء الحرب الأهليّة، لم توصلنا كلبنانيين الى بناء وطنٍ ينعم بالاستقرار والبحبوحة والتطور، فقد كانت تسويات بين طوائف متباعدة المصالح والأهداف، تحت رعاية وبفرضٍ من دولٍ قريبة وبعيدة مباشرة أو بالواسطة، حيث لم تعطِ النتائج المرجوّة منها.

فالتسوية الأخيرة عام ٢٠١٦ والتي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية كانت وبالاً على لبنان وشعبه، وقد فقدنا في ست سنوات ما حقّقه لبنان من نمو وازدهار لعقودٍ خلت، فحذار التسوية من جديد بشروط هذا الفريق، فالظروف الخارجية والداخلية التي كانت في ال ٢٠١٦ ما زالت موجودة بل أسوأ، لذلك الرهان على تسوية او توافق لحين نضوج حلٍ ما دولي او اقليمي، او الرهان على الوقت، هو رهان خاسر وهو انتحارٌ وأفول للبنان، لبنان الدولة، لبنان التنوع والثقافة والتطور والتقدم.

التسوية الخارجية هي تأجيل الحلّ الوطني الحقيقي، وأخذ البلد الى المجهول، وفي جميع الأحوال سيأتي الحلّ على حساب الشعب والوطن. أما نجاح التسوية الداخلية فهو بحاجة الى نوايا حسنة، والى تغليب المصلحة الوطنية على باقي المصالح الضيّقة، والى منع كافة المشاريع المرتبطة بالخارج.

ويستدعي هنا السؤال عن صحة ونجاعة التوافق، بين فريق يستقوي بسلاحه ويستبيح كل القوانين والأعراف، وولاؤه للخارج، وبين فريق ينادي ببناء الدولة ومؤسساتها، وولاؤه للبنان الوطن المستقِّل، العربي الإنتماء؟

التسوية الآن بشروط مكوِّن مهيمن تعني الذهاب، إما الى التقسيم أو الى الحرب الأهلية، فحذار من المغامرة. يقول المثل الشعبي "من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب". أما بالنسبة للتسوية الرئاسيّة، فالفراغ أفضل من وجود رئيس فارسي العقيدة بعثي الولاء، فاقد الإرادة الوطنية.

ماذا كانت نتيجة التسويات أو فلنسميها التوافقات السابقة؟

النتيجة: تفكك الدولة ومؤسساتها، هجرة لا بل تهجير اللبنانيين، ضرب قطاعات التعليم والصحّة والمال، وغياب أي أمل بمستقبلٍ واعدٍ ومطمئن. فلماذا التجربة مرة ثانية وثالثة و... ؟

السكوت عن التسويات المذّلة جرم موصوف، وخاصة سكوت النخب الحرّة، التي يجب ان تقوم بمواجهة هذه المشاريع- مع جميع المواطنين الأحرار- مواجهة سلمية، ثقافية، اقتصادية واجتماعية، دون خوفٍ أو كلل.

آن لنا أن نقتنع بعدميّة المشاريع الخارجيّة والتقسيميّة، وانه علينا ان نتفاهم ونحيا أخوة كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وان نبني دولة المؤسسات، وليست دولة التسويات.

** عقيد ركن متقاعد

ملاحظة: ====== "الثائر" غير مسؤولة عن الآراء الموجودة في خانة "مقالات وأراء"، بل هي تعبّر عن رأي كاتبها، وتم نشرها بناءً على طلب الكاتب.=========

اخترنا لكم
"عملية الزر الأحمر".. عميلان للموساد كشفا تفاصيل مثيرة
المزيد
ماذا أهدى وليد جنبلاط إلى أحمد الشرع؟
المزيد
هل يحتاج انتخاب قائد الجيش إلى تعديل الدستور؟
المزيد
أرز الشوف: إنجازات رغم الصعوبات ورؤية واعدة للمستقبل
المزيد
اخر الاخبار
"ويخلقُ اللهُ ما لا تعلمونَ"!
المزيد
"عملية الزر الأحمر".. عميلان للموساد كشفا تفاصيل مثيرة
المزيد
جعجع: العيد هذا العام يحمل طابعاً مختلفاً.. افرحوا!
المزيد
"حزب الله": نكثّف جهودنا جنوباً في ملف التعافي من آثار الحرب
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
المجلس المذهبي برئاسة أبي المنى دعا الى موقف موحد لعودة النازحين وناشد الوسطاء الدوليين العمل لنزع فتيل الحرب
المزيد
عون مدعو إلى "حشر الحريري" بتسهيل تشكيل الحكومة
المزيد
الخوري يلتقي وفد خبراء التخمين ويعرض واللقيس شؤون المعوقين
المزيد
لبنان يعلن عن "اتفاق إطار" لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل المفاوضات متوقعة منتصف الشهر في الناقورة
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
أرز الشوف: إنجازات رغم الصعوبات ورؤية واعدة للمستقبل
كشافة البيئة نظمت في عيّات ورشة "تنمية مهارات العرض والإلقاء والتقديم"
إحذروا هذه الأشياء قد تكون خطر للغاية، ملكي: لألزام المؤسسات الزراعية، بالحصول على رخصة باشراف ورقابة مهندسين زراعيين!
رصد ظاهرة غامضة في قاع البحر الميت.. ما هي المدخنات البيضاء؟ (فيديو)
البنك الدولي يشيد بجهود الإمارات في معالجة التحديات المناخية
لماذا ينصح بشرب كوب من الماء الدافىء قبل تناول الطعام؟