#الثائر
تكثر الاستحقاقات الداهمة والتحديات المصيرية التي تواجه البلاد منذ ما يقارب ثلاثة أعوام. ولعل آخر الاستحقاقات هو مسألة الترسيم وإدارة الثروة النفطية، إن وجدت، وما يترتب على تلك المسألة من ملفات جد حساسة كالصندوق السيادي وكيفية إدارة هذا الملف الوطني – المالي.
من هنا، تكب لجنة المال والموازنة حالياً على درس مسألة الصندوق السيادي، ومنها تفرّعت لجنة مصغرة لمزيد من البحث والنقاش.
حتى الآن، جلستان فقط عقدتهما اللجنة، لكن النقاش تطوّر وتقدّم، من دون أن تسجل اختلافات أو انقسامات، وإن كانت تباينات في الرأي ظهرت بوضوح.
هكذا حذّر رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان من أي محاصصة محتملة في الصندوق السيادي، داعياً الى اعتماد مبادئ دولية واضحة في هذا المجال. فأيّ دلالات على هذا الكلام؟ أو بالأحرى أين يُصرف هذا الأمر؟ وفي الأساس، هل من فريق يعمل على “هذه المحاصصة” حتى تمّ التحذير علناً؟
في الواقع، يمكن أن يُدرج كلام كنعان في إطار “الحملة الوقائية المسبقة”. يعلق لـ”النهار”: “هي سقف عالٍ من التعبير، في محاولة لتدارك أي أمر مسبق، لئلا يكون الموضوع على حساب الناس ومصلحة البلد ككل”.
زنّار حماية
عظيم، إذن أي اتجاهات حتى الساعة بلغتها اللجنة في نقاشاتها؟
يجيب كنعان: “الهدف الأساسي لعملنا في اللجنة هو أن نصل الى المواصفات المطلوبة حتى نجيب عن كل التساؤلات المطلوبة: من يشرف على الصندوق؟
هل نستجيب في عملنا لشروط الصندوق الدولي ومتطلباته؟”.
يسعى كنعان الى أن “تكون اتجاهات اللجنة أو نقاشاتها تندرج كلها في إطار مبادئ سانتياغو الدولية، أي نحو إشراف دولي من أجل تأمين زنار حماية من كل التقاليد اللبنانية والممارسات السابقة التي سادت إنشاء الصناديق في لبنان. هذه المبادئ لا بد أن تكون، بالنسبة الى عملنا، مظلة حماية من أي محاصصة محتملة أو استفادة غير شرعية”.
ثلاثة محاور تركز اللجنة عليها: تركيبة الصندوق، كيفية التعامل مع العائدات، محفظة التنمية.
في الشق الأول، تركيبة الصندوق. يلفت كنعان الى أنه “ينبغي أن يتألف من أصحاب كفاءات، بحيث لا يمكن أن يشبه هذا الصندوق الصناديق اللبنانية في تركيبتها ومحاصصتها وإرضاء الزعماء وأصحاب النفوذ في البلد”.
في الشق الثاني: كيفية التعامل مع العائدات. وهنا، يطرح كنعان ما سمّاه “محفظة ادّخار”، أي ما يُعرف بالادّخار والاستثمار، بمعنى أنه ممنوع المسّ بهذه العائدات، في مقابل إمكان الاستثمار فيها، لكن وفق قيود محدّدة وشروط أكثر من صارمة، وعلى الأغلب تكون الاستثمارات خارج البلد، لتؤمن المعايير الدولية في الممارسة والرقابة.
أما الشق الثالث فهو “محفظة التنمية” أي الغاية التنموية من خلال بعض المشاريع المموّلة من الصندوق مباشرة، من دون المرور بالدهاليز ومزاريب الهدر المعروفة.
هذه المحاور الثلاثة تعطي، برأي كنعان، الجدّية في العمل وتؤمن الصدقية المالية والدولية والمحلية إذا نجحنا بالفعل في إنشاء صندوق شفاف خاضع لآلية محاسبة دولية وتدقيق خارجي.
تحييد الحوكمة
صحيح أنه لا يمكن الحكم على عمل اللجنة الآن، لأنها عقدت جلستين فقط، لكن إذا توفر هذا المناخ من النقاشات، فإن الأمور تكون قد سلكت مسارها الصحيح والسليم.
يرى كنعان أن التحدي الأكبر هو في تحييد ملف الحوكمة عن العوامل الداخلية والتجاذبات السياسية، ولا سيما أن الحوكمة تكاد تختصر المسألة برمّتها، من حيث كيفية إدارة الصندوق وعمله وسلطة الوصاية عليه واحترام الشفافية.
وعما إن كان ثمة طرف أو أطراف تعارض بعض الضوابط أو شروط الرقابة الدولية، يعلّق كنعان: “لا أعتقد أن أحداً سيجرؤ علناً على معارضة وضع الضوابط. انتظام الأمور اليوم يختلف تماماً عما كان يجري في السابق، ولا سيما إن كانت النقاشات تتسم بالعلمية والموضوعية، كما يجري حتى اللحظة داخل اللجنة”.
كما كل اللجان الفرعية، تضمّ اللجنة التي تدرس مسألة الصندوق السيادي مختلف النواب من غالبية الكتل: تكتل “الجمهورية القوية”، تكتل “لبنان القوي”، كتلة “اللقاء الديموقراطي” وكتلة “التنمية والتحرير”.
وقد برهنت النقاشات أن الجميع يتقاطعون على مبادئ عامة لكن يتناقضون في ملفّ الحوكمة، وهنا جوهر القضية وأساسها.
يشرح كنعان: “صحيح. لكن إذا نجحنا في إخراج مسألة الحوكمة من التناقضات نكون نجحنا في العمل”.
وعن بعض الاختلافات، أمكن تقسيم الاتجاهات الى أربعة:
البعض يطرح أن يكون الصندوق تحت مرجعية وزارة المال. البعض الآخر أن يكون تحت مرجعية رئاسة الجمهورية. طرف ثالث يطالب بلجنة مختلطة، وطرف رابع يؤيّد مبدأ الاستقلالية بالكامل. إنه “عصف فكري” يخوضه النواب من أجل إرساء مبادئ محددة.
في رأي كنعان، المخرج أو الحل الأمثل هو أن “نحترم المبادئ الدولية لأن الاستناد الى هذه المبادئ يؤمن الاستقلالية والكفاءة على أساس رابط دستوري تقني لا رابط إداري تنفيذي”.
هو امتحان لن تخوضه لجنة المال وحدها، بل الهيئة العامة لمجلس النواب ككل، فهل يبرهن النواب أنهم بالفعل مؤتمنون على ثرواتنا الوطنية، وإلّا “خلّي هالثروة بالبحر”. أضمن وأفضل!